هذه هي المناظرة التي ظُلِمَ فيها سيبويه وتسمى مسألة ( الزنبور) وسوف أتحدث عنها من عدة جوانب :ـ
1ـ يُقال أن سيبويه لم يسمع النصيحة وهذا جزاءه حيث ( ولما كان عليه سيبويه من علو الهمة وتمكن الحال، وثقته بعلمه، فقد قدم إلى العراق على يحيى بن خالد بن برمك، وهو - كما قيل - ابن اثنتين وثلاثين سنة، فسأله عن خبره فقال: جئت لتجمع بيني وبين الكسائي (كبير النحاة الكوفيين)، فقال: لا تفعل؛ فإنه شيخ مدينة السلام وقارئها، ومؤدب ولد أمير المؤمنين، وكل من في المصر له ومعه، فأبى إلا أن يجمع بينهما، فعرف الرشيد خبره فأمره بالجمع بينهما فوعده بيوم.).
2ـ قال الكسائي تسأل يا سيبويه أو أسأل أنا فقال سيبويه اسأل أنت فقال الكسائي : ( قال الكسائي: فكيف تقول: قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزُّنبُور (الدبور)، فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها؟ فقال سيبويه: فإذا هو هي، ولا يجوز النصب، فقال الكسائي: لحنت؛ العرب ترفع ذلك كله وتنصبه، وخطأه الجميع، ودفع سيبويه قوله وأنكره، فقال يحيى بن خالد وكان وزيرًا للرشيد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما وهذا موضع مشكل؟)
فقال الكسائي : هذه العرب ببابك، وقد جمعتهم من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء الناس وقد قنع بهم أهل المصرين، وسمع أهل الكوفة والبصرة منهم فيحضرون ويسألون، فقال يحيى وجعفر: قد أنصفت، وأمر بإحضارهم.
دخل الأعراب وكان فيهم أبو فقعس، وأبو دثار، وأبو ثروان، فسئلوا عن المسائل التي جرت بينهما فأتت المؤامرة أُكلها، وتابعوا الكسائي على قوله بإجازة الرفع والنصب، فأقبل يحيى على سيبويه فقال: قد تسمع أيها الرجل؟ فانصرف المجلس على سيبويه، فانقطع سيبويه واستكان، وانصرف الناس يتحدثون بهذه الهزيمة التي مُني بها إمام البصريين.
يقال أن سيبويه طلب من الاعراب أن تنطق بها فرفضوا حيث أنهم لم يقولوا إلا ( القول ما قاله الكسائي ) .
3ـ لقد غضب سيبويه أشد الغضب - وأظن أن الضغط قد ارتفع عنده - ، ذهب بعدها سيبويه إلى مسقط رأسه ولم يذهب إلى البصره حيث مات رحمه الله .