فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أحـلام عـجوز لـشـعـاع ضـوء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فتحى سعد

فتحى سعد


عدد الرسائل : 31
العمر : 63
الجنسية : مصرى
تاريخ التسجيل : 03/08/2008

أحـلام عـجوز لـشـعـاع ضـوء Empty
مُساهمةموضوع: أحـلام عـجوز لـشـعـاع ضـوء   أحـلام عـجوز لـشـعـاع ضـوء I_icon_minitimeالخميس 07 أغسطس 2008, 2:11 am

" كنت تؤمن بأن المسيح سوف يأتى ،وعلى يديه ،
سيكون الخلاص ، ثم يقـيم العدل ، بعد أن شاعت
الفوضى بشهوة الخراب فى ممالك الرّبّ " .
جلست فى المقهى وحيداً ، ورحت أراقب البحر ، وطيور النورس ، أفتش فى الوجوه المثقلة الخطوات ، والمكحَّلة بالنعاس ، وأنا مازلت
أحبو صوب أجنحة المدى ، علًّنى أمسك باستفاقة العصافير النائمة فوق
شرفات الغبار ، وهى تحلم بالسفر إلى رئتين مشرقتين بالدفء، وقيثارة
تبوح لها بلحن هامس بارتعاشات الصباح الممطرة ببراعم الزهور فى عمق الأفئدة ، والحقول ، وماء يتدفق فى الأوردة .
تجمعت كرات الصقيع فوق زجاج المقهى ، والنادل يغفو أثناء تسكعه بين موائد الزبائن .
ارتـشـفت على مهل ، وبتلذِّذ وش فنجان القهوة ، وفيه وجوه كثيرة تتسلق خفقان شعاع شمس يفترش بقعة صغيرة ، وعيناى تضاجعـان
شيخوخـة أحلام الذين يعبرون أمامى بملابسهم الناشعـة بالبـرودة ، ورطوبة الجدران الباهتة .
توقفت عربات البوكس ، قفزت العساكر كالأرانب البرية ، وهى تحيط بالمقهـى ، وتحاصـره ، نزل ضابط وسيم جداً ، ومن أشعـة نجومه اللامعة فى عتمة الشمس المشرقة ، وثـبت طـفـلة متسخة الثياب ، وركضت صوب البحر ، فتلقـتها الفتاة التى القت صوب الأمواج شعاع ضوء ، ثم خبأتها فى كم فستانها .
هرب رواد المقهى ، وهم يتعثرون فى أربطة الأحذية الخشنة .
أمرنى بالوقوف ، لم يمهلنى أن أضع فنجان القهوة ، ثم صفـعنى ، بينما شهـوات الكلاب التى جاءت معه ، تحكم
الحصار من حولى ، ثـم انـتـزعنى ، ومضى بى صوب الميدان ، مـنـشـباً ذكورة أحد كلابه فى مؤخرتى ، وهو يضحك ، بعد أن فتح له صاحب المقهى زجاجة " بيـريل "
مثلجـة ، وكلابه تحتسى حلبة حصى ، وفى زقاق معتم ، أخرج من كم معطفـه كلباً صغيراً ، وتركه يبصـق على مؤخرتى ، ثم رحل بلا كلمة منه ، وكلابه تـتـقافز داخل
العربات ، بعد أن تركت الأكواب نصف مملوءة بالحصـى.
فـركضت صـوب الفتاة التى خبأتنى فى فتحـة فستانها ، وعندما لم أجدها ، ألقيت بنفسى فى ماء البحـر ، لأغسل
نتوءات الشفرات التى مزقتنى .
مضيت أتوكأ على حطام مؤخرتى المثخنة بأنياب الجائعين،
حتى وصلت عند المدافن ، جلست أنتظرك ، علّك تأتى فى
المساء ، وتضمـد جراحـى ، ثم تأخذنى معك فى رحلـة الصعود التى كانت تركض فى خلايا جسدك ، منذ أن بـدأ
وعيك فى الاستفاقة .
فجأة ، تذكرت أن غداً ، عيدكـم ، عيد الميلاد المجيـد ،
كل سنة وأنت أكثر إشراقاً ، وبهاءً ..
ماذا يا صديقى ، لو احتسينا القهوة ، وقليلاً ، أو كثيراً ،
من الفودكا ، لنعبر نهارات عفيـة بنكهة الزمن الجميل ،
وماذا لـو شاركتـك فى طقـوس العيد ، وقاسمتك الديك الرومى ، وجلسنا سوياً قبالة البحر ، والأطفال هناك على
رمـال الشاطـىء يعبثـون ، ويطلقون فى الفضاء صخب طائراتهم الورقية، الملونة ببراءة قفزاتهم ، والأفق مبتهج
بفـقـاقيع ضحكاتهم المسحورة بذيول طائراتهم المرفرفة
برقة ألوانها ، ثم ركضنا سوياً فى ضجيجـهم ، لنتجـاوز البحـر ، والمـدى ، ونتسلق نبض الحكايات الجميلة من الزمن الفائت ، فنرى كرنفالات الجنة , والتى تنبثـق منها
أنهاراً من الضوء ، قافـزة منها أطواق القواقـع بألونها الباذخة بالترف ، ورائحة أفضية من النور تدخلنا ، فنترنح
سكارى ، ونحن نغنى " أد أيه حلوة الحياة ! " ، ثم نتسكع
فى خلايا شارون استون ، وأنسجة نيكول كيدمان ، لنقيـم
تحت جلدهن ، وفى شرايينهن ، مملكتنا المبتـلة بأغنيات
قديمة ، لندفن ذاكرتنا فى جذع شجرة عجوز ، قـطـعـت
فروعهـا المسافـرة فى الخـراب ، ثم نبحث عن أحلامنا المخبـأة فى الغرف المبعثـرة ، فأغمز للبنت الواقفة عند حافة النهر ، والتى ابتسمت لى، وهى تلقى صوب الأمواج
شعـاع ضـوء ، ثم نقف عند سـدرة المنتهى ، لحظتها، سوف أتركك، وأمضى بعيداً عنك ، لأنك تعودت أن تخبىء
خـوفك فى سـروالك ، وأمضى وحدى رافضاً أن أقايض الآخرين ، والمخبرين الخونة ، على ملكوت الرّب ، غيـر
مبال ،إذا صلبت على عمود النور ، أو فرمت فوق حجارة
المعبد القديم ، وعيناى تتابعان خطو البنت فـوق أمـواج
النهر الذى ابتلع أمسيات غربتنا المهاجرة فى صقيع الكون
، والتـى تحفهـا نجوم شاردة ، صافعة بعنف ، ابتسامة صغيرة ارتسمت فوق شفتىَّ البنت التى رفعتنى بحذر من فوق حجارة المعبد القديم ، ولملمتنى بحنين أحلامى المخبأة فى ضفاف الحكايات القديمة ، ثم أدخلتنى من فتحة
فستانها ، والذى طالما كانت تقتحمه العيون الوقحة ، بخواء روحها التى طلاها التبغ بالتفاهات ، وهى تفتش راكضة فى غواية تفاصيل جسدها ، فخبأتنى بين نهدين
صغيرين ، وبكرين ، لم يتم اكتشافهما ، فما زالت قطرات الندى عالقة بحلمتيها الصغيرتين ، فتسكعت تحت شرايينها
وأنا أركل الهواء ، علب المثلجات الفارغة ، والملقاة على قارعة السحب الكثيفة المتراكمة ، ثم رحت أجوس عشبها الطرى ، والمبلل بحنينها لسحابة تفترش فضاءها المسكون بأحلامها الصغيرة ، فحملتها ذاكرتها الهشة ،
ورحلت ، وهى تحاول أن تمسك بتفاصيلها 0 ثم أمضى صوب النهر ، وأمد يدى إليك ، وأحتويك بين ذراعىَّ ،
منتزعاً خوفك الذى يبلل عبَّك ، لنطارد الأسماك فى النهر
كما كنا فى حكايتنا المسحورة ، والفتاة تقف بلهفة الحنين،
وأحلامنا المغسولة فى جداول تنساب عبر أمسياتنا المنداة
بنكات المقاهى ، وأمسيات تفوح منها رائحة مشبعة بالرطوبة ، وكوابيس النهار بشراسة العتمة فى حجرة صغيرة لا تتجاوز مساحتها نصف متر ، متصاعدة منها
رائحة أبخرة صرخاتنا ، كلما تلقينا صفعات الريح ، التى
لم نعرف كيف نحنى لها رأسينا الصغيرين ، والرفيق الذى
كان معنا ، يشاركنا همومنا ، بصقيع وقع خطوها ، والذى كان يسحلنا ، لم يكن فى استطاعته مقاومة قسوة الريح ،
فركع عند أقدام من قايضوه ، وراح يلحس أحذيتهم الخشنة ، مبتلعاً أفكارهم الباردة ، والملوثة ، وقد ترك فى نفوسنا جرحاً ينزف رملاً أسود ، بعد أن أرتدى حذاءً خشناً ، وراح يركل مؤخرتنا بقسوة صدمة الدهشة ،
وتركنا فى الظلمة والبرودة ، ثم رحل تاركاً نزيفاً قاتماً يمر فى خلايا الفراغ ، برنين العنف الموحش ، والصفعات
التى ما إن تبدأ فى لطمنا بعنف ، لا نعرف متى تتوقف ،
ونحن نصطدم بالجدران المليئة بالشقوق ، والمسكونة بالعقارب والحيّات ، هل تذكر الشاويش جاد الله الصعيدى،
والذى علمنا كيف نصطاد الأفاعى ، ثم كيف نسلخها ، وننتزع منها العرق السام ، برفق ، وليونة ، ثم نلتهما
نيئة إذا كانت الأحوال لاتسمح بإشعال النار ، حتى لا
يكتشفنا العدو 0
هل تذكر – يا نبيل – أول مرة اصطدت فيها أفعى ، كادت
أن تلدغك ، لولا تدخل الشاويش جاد الله برشاقته ، فأمسك
برأس الحيَّة بعد أن ألقى عليها بخرقة قديمة 0
هل تذكر أيام الحرب ، أم أنها رحلت حاملة معها ذاكرتنا
المطموسة بقسوة صفعات الحجرة الضيقة 0
كنت تؤمن بأن المسيح سوف يأتى ، وعلى يديه سيكون
الخلاص ، ثم يقيم العدل ، بعد أن شاعت الفوضى بشهوةالخراب فى ممالك الرّبّ 0
كنت تحلم كثيراً ، بصعودك معه ، بعد أن ينثر نورانيته فى
الجهات الأربع ، فينبت العدل فى هذا الكون الغامض ، وثماره المختلفة الألوان ، المذاق ، سوف تملأ الدروب ، الحارات ، والميادين الكبيرة 0 وقد كنت تلح علىَّ مراراً ،
أن تصحبنى معكما فى رحلة صعوده الأخير 0 يااااااه ،
كنت أحضنك ، ثم أمضى صوب الفتاة التى كانت تخبئنى
فى شرايينها ، تحت جلدها ، من عيون العملاء ، والمخبرين الخونة ، وأحياناً ، كنت لا أجدها ، فأمضى
صوب المقهى ، أراقب المارين وهم يهرولون للحاق
بأعمالهم ، متدثرين بخوفهم ، وأطراف أصابعهم منكمشة
داخل جيوبهم المثقوبة ، وزقزقة النعاس تداعب وجوههم
بنكهة قهوة الشتاء 0
أحتسى قهوتى منتظراً الفتاة التى لا تأتى ، فأطلب فنجان قهوة آخر ، وأنا مازلت أنتظر ، فربما تأتى أنت ، وتدعونى لأصطحابى معك ، إلى حلمك القديم ، ولكنك ،
لم تنتظر مجيئه ، ورحلت بلا صعود عن عالمنا ، بعد أن
أغتصب أخوتك نصيبك فى بيت العائلة الكبير بالضاهر ،
بعد أن رفضت التفريط فى بيت الأجداد ، بجوار جامع
الظاهر بيبرس ، على رأس شارع بهاء الدين بن حنا ،
لإقامة مول تجارى بدلاً من البيت الأثرى ، ثم ألقوك على
قارعة الشتاء القارس بلا معطف ، رحت تقاوم عند شارع الجيش ، وعندما ارتفع البناء ، صعدت روحك مبتلة بقنينة الوجع ، التى مازالت موضوعة بعناية فوق أرفف عوالم
سفلية تركض فيها العتمة ، وظلال الأشباح المتحركة فوق
جدرانها 0
لم تنتظر تحقيق حلمك ، بعد أن يأتى ، وينثر نوره الوضَّاء
فوق ضفاف البحر ، وأديم الأرض ، لتنبت أزهاراً فى مرايا الروح ، ويصنع الأطفال من وردها الملون ، عناقيد
مفتونة بالضحك 0
تركت المدافن بصمتها المعتم ، وسرت صوب الفتاة التى ألقت فى النهر شعاع ضوء ، وعندما لم أجدها ، ألقيت
بنفسى فى النهر ، لأغتسل ، وأنا مازلت أبحث عن الفتاة التى خبأتنى فى فتحة فستانها ، وعندما لم أجدها ، ركضت
مرة أخرى صوب المقابر ، وأنا أحاول أن أخفى عُرْى
مؤخرتى ، بعد أن لحست الإسفلت ، غبار الأسئلة ، وبقايا
رذاذ الأمواج الناشعة بأربطة الأحذية الخشنة ، وقبعت عند قبرك ، متدثراً بهالات من السكون ، وبخوفنا القديم ، وعيناى شاخصتان إلى السماء ، فى انتظار مجيئه النورانى سوف أحدثه عن أحلامك الصغيرة ، حكاياتك القديمة ، وعن ذهابك إلى المرأة التى هجرتك ، لا لتتوسل إليها ،بل لتعيد لها قرطها الذى نسيته فوق مخدعك الدافىء بهمسها الطازج بين طيات ملاءة السرير ، وآهاتها المخبأة فوق جدران الحجرة ، وأن تسترد منها ابتسامتك الجميلة ، والتى خبأتها فى جلدها ، وعندما ألتقيتها ، أنكرت معرفتها بك ، وكادت أن تصفعك ، لولا أنك لم تدر لها خدك الأيمن ! ، ثم ألقيت بقرطها تحت ضجيج عجلات السيارات المارقة 0
سوف أحدثه عن حكاياتنا المطموسة فى ذاكرة الحجرة الضيقة ، وعن الذى ركلنا ، ومضى ، ثم أصبح – فيما
بعد – مديراً لمؤسسة كبرى 0
سوف أمكث هنا ، أو هناك ، بين العتمة ، وشواهد القبور،
انتظر مجيئه ، وعندما يجيىء ، بعدما يقيم العدل ، سوف يلقى علىَّ عباءة نورانية من فيض نوره ، وسيقبل أن
أنضم إلى عرس صعوده ، سوف أتمسك بحقك فى الصعود
معه ، لحظتها ، سوف تسقط من سراويلنا ، ذاكرتنا المتقيحة بأوجاع الغرفة الضيقة ، والتى كانت تركض فيها
الفوضى ، بوشايات الخونة ، وشراسة العتمة ، وركلات
الأحذية الخشنة 0
فتحـى سعـد
يناير 2005
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أحـلام عـجوز لـشـعـاع ضـوء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: القصة والرواية-
انتقل الى: