من خلف كوة المساء البارد , قفزت متحسـساً النهارات الوليدة , مكفناً , كوابـيـسى , من غسق الليل حتى فوضى الصحو , حيث ترقد البيوت فوق ضـجـيـج الأسـرارالنـابـتـة فى زوايـا الجـدران المـطـلـيـة بـأصـوات البـاعـة , والناس فى الـمـيـاديــن تـصـلـى مـكشـوفـة
الـجـسـد , فى فـضـاء لا يعـلـن عن شـمـوسـه اللامعـة , عـلَّ المطـريـبلـل شـرفـات مطـموسـة فـيـهـا زقـزقـة العصافيــر , وأبوابه مغلقة
فى وجه الأجـنـحـة الـنـازفـة بالـضـحـكـات الثـكـلى , والأبـواب لا تـفـصـح عن أسـرارهـا الطـازجـة , والمـكـتـظـة فى جـهـاتـهـا الأربـع ,
بـالـحـراس غـلـيـظـى الـشـوارب , بـأفـواهـم المـدهـونـة بـالـفـراغ , والـشـتـائـم .
فـأجـرجـر انـكـسـاراتـى فى بـهـو الـكـمـون , والاخـتـبـاء وراء شـريـعة الـنـهـديــن , وانـكـمـاشـة الـجـسـد فى رطـوبـة الأزقـة , الغـارقـة
بـالـوحـل , والنـعاس , فـأجـرجـر خـيـبـتى فى كـسـل الفـراغ , متـوكـئـاً على قـشـرة اللحظة المعلقة على أطراف العتمة , بنكهة بــــــرودة أجراس المساء , فأقيم مملكة مدشنة بالحكايات الضائعة فى بزوغ نجمة مضيئة فى غابة اللذة , عند عتبة اليقظة , متراجعا أمام خطــــــــى النهار الملفوف فى كور مكتظة بـالعتمة , فـأفتـش عن إيـزيـس فى أبـهـة الأسـرار المضيئـة بـأيـقـونـات اكـتمـال القمر فى توهـجات الروح,
فتـنـقـض الوجوه المكتظة بالشوارب الكثـيفة , والتجاعيد , مـفـتـشـة عن أحلامى الصغيرة , والتى أخبئها فى أقانيم الذاكرة ,فـتـنـتـزعها من
أنسجتى , ثـم تـركلنـى بأحذيـتها الـثـقـيلة , عاكفة على فك رموز شـفـرتها , مقـتـلعيـن شـعاع شـمـوس لامعـة فى فـضـاء يـرتـج بـضـيــــج
الأطفال , وامــرأة عجـوز , فـاتهـا قطار الزواج , وهى فى لحظة المخاض , تـئـن فى مـرايـاالغـيـوم المـلـبدة بـانـكسارات الضـيـاء , عـلى
أطراف المقاصـل المعـلقـة ,التى تئـز منها , شـهـقـة اشـتـعال نـشـيـج اللحـم المحـتـرق , فـأتـبـع خطو أحـذيـتـها الثـقـيـلة , بـحـذر , فــــوق
الأسـفـلـت , لسماء مرصعة أفضـيـتـها بنجوم أعلنت الحداد فى المساء الطويل , والشوارب المفتـولة , تـتراقـص فوقها الصقور , لنواميـس
أغـلقـت الشـرفات على العصافـيـر النائمة فى أحضان الشوارع النائية , المسكونة بالغربة , والنسيان , عبرمسافات الغياب فـــى الــدمـــاء
المنسالة من أزهار الروح , مستمتعة باحتساء الشاى , والثـرثـرة فى لحظة المخاض , فى غـبـشـة عتمتها المفرودة فوق جـدائـل امــــــرأة
مسكونة بهوس الصمت , ولوعة اشـتـيـاقها لرجل اُجـتـزَّت أحلامه فى حقول شاسعة من العطونة , لتـقـيم عُرْسها فى أمسيات تضج بوقــع
الأحذية الثـقيلة , مرتعشة رغبـتها فى فوضى أوجاع البوح , فتـنـكفىء البـيوت فوق التواءات الحارات المسدودة , ثم تطفأ مصابـيح العرس
فى رماد السكوت , وإيماءات الرؤوس التى تحتـفـل بإقامة صلواتها المليئة بالدعوات , فتأتى إيـزيـس من عند حافة النهر , محــــلـقــــة فى سماوات مرصعة بجدائل الشمس العـفية , فتـبـزغ أزهار الليمون , والقرنفل , والياسمين , سابحة فى فضاء تحفه العصافيـر النـورانيـــة ,
وأطفـال يـتأرجحون فوق أقمار زاهية الألوان , فتـمـد إيـزيـس يدها , ملقـية جسورا من مـقـامــات الضوء , مصحوبة بتراتـيل من أقانـيم الروح , ململمة أجزائى من فوق أسفلت الميادين , ناثـرة فى جروحى , أحلامى الــمـبـعـثــرة فــى الحجـرات المغلقة , فتركض وراءها المرأة العجوز , فتـحـتضـنـها إيـزيـس , وهى تـتـلقَّـف منها وليدها , وهو يـتهجى حروف الـشـمـس,والمرأة المتلهفة لإقامة عرسها المطفأ فى البـيوت المنكـفـئة , تقف عند ناصية الحارة , منتظرة أن تـمـد إليهـا إيـزيـس بـعـناقـيـد الــفـــــل , واليـاسـمـيـن .فيأتى من زاوية العتمة , شيخ الحارة , مختالا , وهو يهز عصاه الأبـنوس , وفوق أطراف شاربـيه يـتـراقـص صـقـريــن ,فـيـنقـض أحدهما , فـارداً مخالبه فوق مياه النهر , منـتزعاً إيـزيـس من بكارة الحلم , وشيخ الحارة يــزغـر بعـيـنـيـه الضيـقـتـيـن فى وجــه المرأة المـنـتـظرة إقامة طقوس عُرْسها , والصقريحلق مرتفعا , فارداً جناحيه فوق شاطئـيـن مكتظيـن بالرؤوس المقلوعة الأعيـن,والغارقة فى ثـرثـرتها , فألقـت العتمة بظلالها فوق جـدران البـيـوت المـنـكـفـئـة , فأتى مـن الميـاديـن , والشوارع , المدعـوون للـعـرس , وراحــوا يثـرثـرون فوق عتـبات الـسكـون , وهم يـرتـشفـون الشاى الغامـق .فركضتُ صوب النهر , لألـملـم أجـزاء إيـزيـس المطمورة , فى أطواق القواقع , وحـقـول الحـنطـة , رافـعـاً رايـات الحـداد , ومـمـزقاً لـسـتـائـر الـعـتـمـة , فـطـاردنـى الصـقـر الـمـنـتـصـب فـوق شـارب شـيــخ الـحـارة , فـتـلـقـفـتـنـى المرأة الـمـنـتظـرة إقـامـة عـرسها بـيـن جـدران الـبـيـوت الـمـنـكـفـئـة , لـتخـتـبـىء فى أكـمـام صـمـت دهـشـتـهـا ,
وظـلِّ اللحظة , وفى ملامح حزنها . وشـيـخ الـحـارة مـازال يـهــز عـصاه الأبـنـوس , زاغـراً لها بـعـيـنـيـه الـمـطـفـأتـيـن , والـضـيـقـتـيـن
والـمـدعــوون , يـبـتـسـمـون فى بـلاهـة , وهـم يـصـغـون لـثـرثـرتـهـم فـوق مـنـاضـد الـعـرس الـشـاغـرة بـالـبـرودة .
فــتــــحــــــى ســـعــــد
أغـــســطـــس 2007
* من مجموعة : رائحة المساء قــــــــنـــــــــا ـــ مـصــــر