هـل تـعـرف الـحـد بـيـن الإغـفـاءة والـيـقـظـة ؟
وهـل أصـغـيـت يـومـا مــّا لـصـوت الـحـلـم , بـيـنـمـا عـيـنـاك تـراقـبـان ظـلّـك , وهـو يـتـسـكـع , فـــى حـلـــــم قـصـيــر جــــداً ؟
بـيـنمـا كـلاب الأرصـفـة تـطـاردك , مـزمـجـرة فـى وجـه الـريـح , وأنـت تـتـعـثـر فى أنـفـاسـك الـحـبـيـســــــــة داخـل تـابـوت روحـك , وغـبـار الـشـوارع يـتـنـاثـر فى عـيـنـيـك الـلامـعـتـيـن بـالأتـربـة , وأنــت تـسيــــــر فى طـرقـات مـشـبـعـة بـالـمـطـر , الـوحـل , والـبـرودة , وعـسـكـرى الـدرك يجـرجـر امـرأة ثـمـلـة , تـفــوح مـــن أصـبـاغ وجـهـهـا , رائـحــة الـــوجـــع .
هـل رأيـت إيــزيــــس , وهـى تـركـض فــوق حـجـارة الـرصـيـف الـقـديـم , أحـيــانــاً , أمـسـك بـهـا داخـلـــى , فـتـغـمـرنـى أطيـــــــــاف نـورانـيـة , وتـجـتـاحـنـى ألـوان الـطـيـف , فـأشـعـر أنـى طـفـل يـقـفـز مـن مـيـــــــاه الـبـحـر الثـــقـيـلـة , والـغـامـقـة , فـأركـض صـوب مـسـارب روحـهـا , بـنـفـسـجـة مـتـوهـجـة بـالـضــيــــــاء , وعـصـفـوراً يـحـلـق فى فـضـاء مـلـون بـأشـعـة عـيـنـيـهـا بـزهـور الـيـاسـمـيـن , والـفـل , وإيـقـاعـات حـالـمـة, نـرقـص عـلـيـهـا كـطـيـفـيـن نـورانـيـيــن .
وإيـــزيـــس , التـى اسـتـيـقـظــت , ذات صـبـاح بـارد , ومـسـاحـات شـاسـعـة مـن الـضـبـاب , سـرقـت قــرص الــشـــمـــــس , لتــقــول لــــى : بــحــبـــــــك مـــــووووووووت !
فـلـمـسـت دمـائـى الـطـازجـة فـوق حـافـة الـفـجـيـعـة ,فـركـضـت صـوب أطـراف الـكـون , وعـبـر مـسـافــــات مـعـتـمـة , لـتلـمــلــــم أجـزائـى الـمـقـطـعـة فـوق كـور الثــلج , لتـعـيـد تـكـويـنـى , ثـــم تــعـمِّــدنى فـى شـعـاع عـيـنـيـهـا , وتـمـنـحـنـى , وجـــه الـحـيـاة , وفــرســاً , أصـغـى لـصـهـيــلـه , فـى الــخــلاء الـواسـع , بـلـــــون الـــضــيـــــاء .
ثـم يـتـرجـل الـطـفـل بـداخـلى , لـيـقــيـم تـحت جـلـدى , ممـلكـتـه بـنكهـة الـصـخب , وفى قـلـب أشـعـة الشمس , يتوارى , مختـبـئاً , قـابـضـاً , على بالونات ملونة بقوس قـزح , راكضـاً , وراء بقـايـا فـقـاعـات هواء مسحورة بالضحك ,ثــم يـتـقـافـز من شـرفــات تطل على صبـاح بـارد جـداً , فيـسـقـط فى دوائـر ملونـة بأحلامـى , التـى أحـاول أن أقبض عليـهـا , فـتـراوغـنـى , عـبـر أمـسـيـات بـاردة , وذكـريـات تـائـهة فـى منحنـيـات مغـمـوسـة بـمــــــــذاق العـتـمـة , وسراب تفـاصـيـل صـغـيـرة تـراوغـنـى , والطفل يمر عـبـر مسامـات روحـى , مـطـارداً فــراشـــات مـفـتـونـة بـالـنـهــر , فـروع الـسـيسـبـان , وأوراق البـنـفـسـج , ومحـلـقـة بـأجـنـحـتـهـا المـضـيـئـة فى تـجـاعـيـد روحـى , فيـطـلـق الطـفـل بـالـونـاتـه , أسـرابـاً تـحـوم فـوق مـروج الحـلـم , أضـواءً صـغـيـرة , ولامـعــــــــة , تــذوب خــجــلاً .
فـلـمـحـت الـمـرأة , وهـى تـزيـح أكـوام الأصـباغ الـمـبـلـلـة بـدمـوعـهـا , ثـم أخـرجـت من حـقـيـبـتها الصغيـرة,
بـضـعـة أوراق نـقـديـة , ودسـتـهـا فى يـد العـسـكـرى الـذى لانـت قـبـضـتـه المـمـسـكـة بـهـا , وهـو يـتــــوارى
فـى الـعـتـمـة , مـاسـحـاً عـن عـيـنـيـه الـمـطـفأتـيـن تـلال مــن الـنعــاس .
حـلـقـت أسـراب فـراشـاتـه , صـوب أفـضـيـة مـغـمورة بـنـدف الـقـطـن , خـلـف زوايـا مـغـلولـة , لـنـجــمــــات
تـنـز مـلـحـاً بـفـقـاعـات الـوهـم , ثــم نـشـرت أجـنـحـتـهـا الـحـبـيـسـة عـنـد حـافـة الـكـون , فـأحـتـضـنـتـــهــــــا
قـارعـة الـشـتـاء , وضـلـوع الـبـرودة , فـسـقـطـت أجـنـحـتـهـا , ثـمـلـة فـوق حـافـة شـرفـات الـعـتـمـة , وهــــى
تــنـزف دمـاءً طـازجـة , نـازعـة مـلابـسـهـا , فـركـض صـوبـهـا الـطـفـل الـخـارج تــواً مـن الـنـهـر , مـنـتـزعاً
ســهـمـاً أســود مــغــروســاً فـــى قــلــبــهــا .
صــرخــت إيــــزيـــس , عـندمـا اســتــيــقــظـت , ولــم تــجــدنــى لـتـقـول لـى : بــحـبـك مـــــــــــووووووت !
أمــســك بـالــسـهــم الأســـــود , وراح يــكــسـره , خـرج مـعه , قــلـبهــا الــمــلــون بــزهـــور الـــــفـــــل .
فــــتـــــحـــــــى ســــــــــعــد
نــــــــوفـــمـــبـــــــــر 2006