كان ثمة . .
جميل ، ومراوغ .
كانت تقف بجوارى ، تكاد أن تلتصق بى .
كانت جميلة ، عيناها واسعتان ، سوداوان ، ومشعتان بغواية الرغبات الجامحة .
كانت زوجة صديقى ، وكانت هناك سيدة تكبرها بقليل ،
داخل المطبخ ، ترتدى روباً قطنياً ، تضع فى الفرن صوانى الضأن .
كانت تتحدث معى ، معتقدة أنى خطيب ابنتها ، لا أعرف
من أين جاءها هذا الاعتقاد ، فى حين أن ابنتها التى تقف ملتصقة بى ، كانت زوجة لصديقى .
مشيت فى الردهة الطويلة ، وضوء النهار يتسلل باهتاً ، ألتقيت فى منتصف الردهة الطويلة بفتاة غجرية ، ترتدى جلباباً أسود شفافاً ، لا ترتدى شيئاً تحته ، يبرز عُرْيها الباذخ بالأنوثة الطاغية .
نبهتنى زوجة صديقى ، وخطيبتى ، أن الفتاة متد يدها لمصافحتى ، فشعرت بخجل ، مددت يدى مصافحاً اليد البضة الممتدة نحوى ، وبيننا هذا الفراغ ، رحت أخفى
خجلى فى تسكع ضوء النهار الباهت على الجدران ، أمسكت بيدى المصافحة ، راحت تضغط ، وتضغط ، وهى تغوينى أن ندخل إحدى الحجرات .
زوجة صديقى ، وخطيبتى – فى ذات الوقت – تشجعنى
أن أدلف معها إلى هذه الحجرة ، بل كانت تدفعنى دفعاً ،
فركضت فى الردهة الطويلة ، بإضاءاتها الخافتة ، وقفت أمام الباب الموصد ، رحت أجذب الترباس ، كان
مُحكما ً، وثقيلاً على الجذب ، رحت بكل قواى أشد الرِّتاج ، بينما خطوات البنت الغجرية تقترب منى ، كانت روحى تسحب منى إلى أسفل ، تنفلت منها مئات العيون ناحية هوة مظلمة ، أشعر أنى أسحق فيها ، كنت أقاوم ألا أسقط فى هذه الهوة ، والتى يشدنى هواؤها البارد إلى أسفل . وقبل أن تقترب منى الفتاة
انجذب رتاج المزلاج فى يدى ، سمعت صريراً ، فتحت
الباب وأنا أهرول خارجاً ، وجدت أمامى بضع درجات
هبطتها مسرعاً ، وأمامى ، كان الخلاء برائحة الندى والشتاء ، ركضت فى طريق ترابى ، وعند أول الطريق
وجدت سيارة صغيرة واقفة تنتظرنى بداخلها صديقى وزوجته ، وفى الكرسى الخلفى كانت الفتاة ذات الرداء
الأسود تقبع عارية ، وهى تبتسم لى ، ثم فتحت لى الباب ، مدت يدها وجذبتنى إلى الداخل ، وراحت تعصرنى بشفتيها ، وصديقى ينظر لنا فى المرآة ، ويضحك ضحكات طلاها الفراغ بأطياف الجنون ، ورماد اشتعال اللحظة ،وأيضاً، زوجته تشاركه الضحك!
شعرت بدوار ، أردت أن أصرخ ، لكنهما راحا يضحكان
بينما الفتاة تعصرنى ، ثم فجأة توقفت السيارة ، وفتح الباب بجانبى ، وانتزعنى رجلان ضخما الجثة ، والشارب ، ثم أخرج أحدهما سكيناً طويلة ، مشرشرة حوافها ، وقطع رأسى ، أمسكا بجسدى ، ثم ألقياه فى
البحر ، بعد أن وضع أحدهما رأسى فى جيبه ، وركبا السيارة التى مضت بهما مبتعدة عنى ، والفتاة الجميلة
تلوح لى بيديها البضتين .
كان ثمة حلم ،
جميل ،
ومراوغ ،
جاءنى عبر لحظات قصيرة ،
بين اليقظة ، والإغفاءة .
فـتـحـى سـعـد
مارس 2005
قــنــــــــــــــــا
* هذا النص من رواية : " ظلّ النّار " .