الشعر يخسر نهراً...
شيركو بيكس
عندما يحط شاعر طائر بجناحيه الواسعين على الأرض ليودعنا توديعه الأخير... عندما يرحل «محمود درويش» عن دنيانا التي نجدها أضيق بعده... تتبدل الطقوس وتتغير الألوان... فتنكمش قباب السماء وتهتز أركان اللغة. انه الحزن الذي يتراءى دخاناً... ويتصاعد مغطياً، بلون الرماد، آفاق الكلمات!
لقد بلغ عدد الشعراء العرب، حتى الآن، عدد أوراق شجرة كثيفة الأنغام، لكن «درويش» يبقى النغمة التي تأبى أن تسكن أو تكفّ عن العطاء. انه الطائر الذي لوّن بجناحيه سماء الشعر بمدارات وأطياف ساحرة لما يقارب نصف قرن... وستمتد الى فضاء الأجيال القادمة من حيث الزمان... كما امتدت، من حيث المكان، الى فضاء الشعر الكردي وفضاءات آداب الشعوب الأخرى، فتأثر به جيل رائد من الشعراء الكرد وشعراء المنطقة. لم يكن «محمود درويش» لسان حال الأشجار والأحجار الفلسطينية فحسب... بل كان، كذلك، ناياً غائراً بأنغامه الحزينة والمتمردة معاً أعماق الإنسان أينما أصغى الى نبضه. كان شعره ضوء قمر يمنح متلقيه هدوءاً وزوبعة يمنحهم اليقظة في الآن نفسه. كان صهيل حصان أصيل يعدو على الأرض وتغريد يمامة تبحث، عبثاً، عن عشها في السماء. اننا، الشعب الكردي، لا ننسى أبداً ما غنّاه لكردستان، ولا ننسى قصيدته الأخيرة «ليس للكردي إلا الريح».
ان شعره يأبى أن يموت... لأنه منسوج من كلمات تحفر الذاكرة كما يحفر النهر الأرض ويشق المجرى في الزمان والمكان. ان محمود درويش كان «قدس» الشعر العربي، وسيبقى للإنسانية نورس البحر، الناصع حباً، طالما هناك الحزن والأمل.
(عن الحياة).