فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ضحى بوترعة
مشرف قسمي حوارات خاصة مع شخصيات مبدعة وقضايا وآراء أدبية



عدد الرسائل : 1313
العمر : 55
الجنسية : تونسية
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا Empty
مُساهمةموضوع: حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا   حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا I_icon_minitimeالأحد 17 أغسطس 2008, 7:19 pm

حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا
فانسن فان كوخ Vincent Van Gogh


ترجمة بديعة بنمراح
بتصرف








كان مساء يوم 25 دجنبر 1888 يشهد أوجه في منزل بإحدى أزقة آرل Arles الفرنسية، حيث كانت مومسات يشربن نخب عيد المسيح مع زبنائهن على نغمات كئيبة لأرغن عتيق. بينما كان البرجوازيون ينعمون بموائدهم الفاخرة.
فتح باب المنزل فجأة، ودخل رجل أشعث الشعر ينحني مقوسا ظهره . عيناه تلمعان بشكل غريب، وعلى رأسه قبعة مائلة قليلا ناحية اليمين تغطي بالكاد ضمادة كبيرة الحجم، إنه السيد فانسن Vincent التشكيلي الهولندي وذو المظهرالمثير . كان قد استقر لتوه بآرل Arles.
تقدم نحو راكيل Rachel عشيقته الوفية، وأهداها ظرفا قائلا: "احتفظي بهذا الظرف باهتمام، من أجل ذكراي !" وانسحب بسرعة. بقيت راكيل مشدوهة قبل أن تفتح الظرف، وتسحب منه أذنا بشرية زجت ونظفت بعناية فائقة، فها لها الأمر وفقدت وعيها..
لقد تدحرج المسكين فانسن فان كوخ Vincent Van Gogh هذه المرة في دوامة الجنون وسينعكس هذا في فنه، حيث تتخضب الشمس وحقول القمح بحمرة الدم القاني....
"لا أحد يجادل أن الأرض مستديرة، كتب فان كوخ، ولكن هناك من لا يزال يظن أن الحياة مسطحة، تمتد من الولادة إلى الموت، ومن المؤكد أن الحياة أيضا ذات شكل دائري، ضاربة في الامتداد والقوة، أكثر مما تتصور اليوم" بهذه الكلمة البسيطة يمكن أن نكثف التعبير عن شخص فان كوخ، الإنسان والفنان التشكيلي الذي ظل يقاوم الموت بكل قواه، ليرضخ في يوم ما، مع الأسف، لجاذبية "أرض مسطحة" بعد أن خاض صراعا أشد ضراوة وأكثر مأساوية.
يعود تاريخ عائلة فان كوخ في الأراضي المنخفضة إلى القرن 16 إذ عرفت بمهامها الصعبة التي ترجع إلى مركزها الاجتماعي وانتمائها البرجوازي، فهي في زيلاندا، ولكنها تنتقل بين لندن وبروكسيل. إنها عائلة ثرية متمسكة بالتقاليد البرجوازية البروتستانية بكل ما يحمله ذلك التمسك من معنى. و قد كان الجد باستور دوبريدا Pasteur de Breda قد ترك بنتين تزوجتا في وسط الجنرالات وخمسة أولاد من بينهم أميرال وثلاثة من كبار تجار المنتوجات الفنية، وخامس هؤلاء هو أب الفنان، ولم تكن له منزلة مهمة.
في 30 مارس من سنة 1852 ولد فانسن Vincent بقرية بالقرب من الحدود البلجيكية اسمها كروت زينديرت Groot Zindert وتوفي فانسن هذا بعد ستة أسابيع من ولادته . بعد سنة بالضبط أي في 30 مارس 1853، ولد الفنان وسمي فانسن ليحمل بذلك اسم أخيه الذي مات وكتب عليه أن يرى منذ طفولته بين الفينة والأخرى اسمه محفورا على شاهد قبر.
وبعد ولادة الفنان، بدأ البيت يبتهج بالأطفال وأصواتهم حيث جاءت أنّا Anna ثم تيودور Theddore ثم اليزابيت Elizabeth وولهمين Wilhemine وأخيرا بنيامين Benjamin ومع ذلك كان البيت يسير مضبوطا ولا ينفلت من هذا النظام إلا فانسن، الذي لم يكن يهتم باللعب ولا بتقاليد العائلة ، وكان يروق له أن يقلب الأوراق أو يرسم قطة تتسلق أشجار الحديقة،وكان مظهره يوحي بالحزن والصلابة، وفي المدرسة حيث كان يلتقي بأبناء الفلاحين، تعلم كيف يغذي غضبه وصلابته، وما إن تنتهي الدروس، حتى تنبجس من بين أنامله رسوم لأزهار وحيوانات يقدمها في الغد لرفقائه وكانوا يعبرون له عن انبهارهم وإعجابهم.
كان فانسن يقرأ كثيرا، وسيصبح هذا الفنان، ذو المظهر الرث الذي عاش حياة مأساوية، من بين الرجال الأكثر ثقافة في عصره بين الثانية عشرة والسادسة عشرة من عمره ولج مدرسة داخلية بمدينة زيفن بورغن zevenbergon حيث ظهرت صراحته الفائقة ومواهبه المحيرة وشخصيته الحادة الحزينة في آن معا.
ملامحه لا توحي بأنه شاب يافع، حاجباه يتقوسان أكثر فأكثر، جبهته ذات تجاعيد، ونظرته دائما حادة، وحين تعلو شفتيه ابتسامة ينبعث الأمل من جديد لدى عائلته فتسمع أحدهم يقول مثلا: "بشيء من المساعدة يمكن لفانسن أن يصبح فان كوخ الذي يجب أن يكون في الوقت ذاته، رجل الخير والمال..."
وعندما بلغ السادسة عشرة من عمره، وجد له عمه فانسن المعروف بـ :سون cent عملا في احد المحلات التجارية لإحدى الشركات وتدعى شركة غوبيل S.Goupil فاشتغل هناك في تلفيف وفتح الأكياس والعلب وتسجيل السلع، وفي ساعات فراغه، كان يزور متاحف المدينة، وعندما أنهى مدة التدريب بالمحل المذكور، أرسل إلى لندن ليشتغل في محل مماثل.
في العشرين من عمره، أصبح عريض المنكبين وذا هوايات كثيرة، وكان يرسم بين الفينة والأخرى ثم يدمدم غير راض: "هذا لا يعني شيئا." ويقرأ بالخصوص ديكنز .Dikens بشغف وهذه المرة ضحكت له الحياة، إذ كانت تعيش بالقرب منه فتاة تشبه إحدى بطلات كاتبه المفضل ديكنز، وهي ابنة السيدة التي كان يستأجر منها سكنه، إنها فتاة جميلة ولطيفة اسمها ارسيلا Ursula وقد سماها ملاك الحضانة، إذ كانت تشتغل في محل للحضانة.. ووقع في شراك حبها، وبقي فترة يحلم بها ثم قرر أخيرا أن يبوح لها بحبه، لكنها فاجأته بضحكة استهزاء وقالت له: إنها مخطوبة.
بدأ حلمه يتبدد. وحاول جهد إمكانه أن يمنع هذا الفشل، فألح ..وهدد.. لكنه وجد نفسه وحيدا، وفي مسامعه يتردد صدى تلك الضحكة المجلجلة.
أرجعه عمه إلى المحل الأول بفرنسا ولم يعد يحس بباريس، ولا بالحي الذي كان يقيم فيه، مونتمارتر Montmartre حيث كان يمر كشبح يحترق.. وكان يفاقم عذابه، مستوى تلك اللوحات الهابط التي أخذ يبيعها. ثم أخذ الزبناء يتذمرون من هذا الهولندي الخشن الذي يلف مشترياتهم بطريقة لا تروقهم، فترك عمله بدون إخبار متجها نحو لندن، وبعدها جال في الأراضي المنخفضة فاعتبر مفصولا عن عمله، وفي 16 أبريل 1876 وكان في الثانية والعشرين من عمره، قبل أن يشتغل مدرسا في رامسغايت Ramsgate بإنجلترا، وكان المشهد أقرب إلى رواية من روايات ديكنز المتعلمون فقراء المؤسسة يرثى لها والمدير أقرب إلى تمثال خشن ، وقد حطمته الفاقة . وذات يوم من شهر يونيو، كلف فانسن بجمع المستحقات المتأخرة للمدرسة، ولم يستطع أن يفعل ذلك لعدم جرأته فأعفي من عمله.
وبعد ذلك، أخذ يداوم على الطقوس الدينية مع جماعة من البروتستانت، وبدأ يتعلم الأغاني الدينية ويزور المعابد والكنائس ، ويمارس الشعائر في خشوع ورهبة، وكان واحد من طقوسه يبدأ بالقول: لست إلا غريبا على الأرض". وكانت جدران غرفته مغطاة برسوم وتماثيل دينية و قد أهمل حاجته إلى الغذاء وراح يلقي بالمال القليل الذي عنده إلى الفقراء، فوقع مريضا.. وبعد أن قضى عيد السيد المسيح في هولندا، قرر مبكرا أن يصبح قسا بينما قررت العائلة إرساله إلى أمستردام ليدخل كلية علم الأديان ... وقد تكفل به عمه جوهانس Johannes فانكب على دراسة الإغريقية واللاتينية ولكنه وجد نفسه مشدودا إلى اللغات الحية.
فقرأ شكسبير في الأصل، وبخطه الذي يثير الأعصاب، لاستعصائه على القراءة.
كان فانسن لا يمل من كتابة رسائل طويلة لأبويه أو لأخيه تيودور الذي أصبح يعمل في محل لشركة غوبيل Goupil ببروكسيل، وكان يبوح لهم بهمومه.
وهنا أيضا تاه فانسن مرة أخرى، فبعد خمسة عشر شهرا بأمستردام، فر من جديد وأعلن عزمه أن يصبح قسا، فدخل مدرسة تطبيقية تبشيرية في بروكسيلن ، وكان يعاني من ضعف قدرته على التواصل مع الآخرين ، حيث كان عنيدا تجاه ملاحظات معلميه. و أخذ يرسم بالفحم ورغم رسوبه مرة في الامتحان، قرر أن يتفوق على مستوى الإقليم لكي يتكلم باسم عيسى ويأمر بعلاج المرضى وتعليم الدين للأطفال.
هاله مشهد السواد والبؤس، سماء رمادية، جدران وسخة، ماء مكدر.... الفحم غطى كل شيء حتى أصبح التنفس صعبا للغاية، وبعد فترة أخذ عمال المنجم ينصتون إلى فانسن، يحدثهم عن الله، والأطفال. دأبوا على الاحتفاظ بعناية باللوحات التي طفق يرسمها ويهديها لهم وقرر مجلس المؤسسة أن يمنح فانسن فرصته وعينه تحت الاختيار لمدة ستة أشهر.
وعندما اجتاح المنطقة مرض التيفوس Typhus،تطوع لمساعدة المرضى ليل نهار، فأصبح شاحب الوجه، نحيفا... ولما زال الوباء، وقد حصد الكثير من الأرواح، غادر غرفته، المتواضعة وأنشأ كوخا وسط حديقة وأخذ ينام فيه على كومة من التبن، إلا أن بساطته وإهماله لنفسه، واهتمامه الزائد بالناس وأحزانهم .. قد ألبت عليه رؤساءه فعاد إلى غرفته لكنه سرعان ما غادرها، إذ حاول إسداء النصح للمسؤولين على إحدى الشركات المنجمية لعدم احترامهم شروط السلامة في المناجم، وكان جوابهم: "سيد فانسن، سنرسلك إلى مستشفى المجانين إذا لم تتركنا وشأننا !!"
في شتاء 1879 عاد فانسن فان كوخ إلى بيت العائلة، لكنه سرعان ما أحس بالضيق، فهام في طرقات هولندا حيث كانت البطاطس والخبز غذاءه ، وفي هذا الشتاء القارس بالذات، رضخ فانسن لنصائح أخيه تيودور الذي كان معجبا برسوماته، وقرر أن يتفرغ للتشكيل، فاستقر مرة أخرى ببروكسيل ، وكان يلتقي ببعض الرسامين مثل : فان رابار Van Rappard، فنان أرستقراطي أنيق، وقال عن فان كوخ "إنه جميل ومخيف" ! وكان يأخذ بنصائح هذا البائس الذي كان يعيش على الخبز الجاف والماء، وكان يعلمه قوانين الأبعاد les perspectives أثناء الحصص التي تكون ساخنة في كثير من الأحيان، وكان يلذ لفانسن أن يتناول في مواضيعه الصيادين والعمال، ويرتدي ملابس سوداء وهو يسعى بكل ما أوتي ليرد للحياة في عالمه الفني بريقها. لم يكن يود أن يصبح شخصا خارقا للعادة، بل مجرد إنسان عادي يعرف معنى الحياة والموت والحب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ضحى بوترعة
مشرف قسمي حوارات خاصة مع شخصيات مبدعة وقضايا وآراء أدبية



عدد الرسائل : 1313
العمر : 55
الجنسية : تونسية
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا Empty
مُساهمةموضوع: رد: حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا   حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا I_icon_minitimeالأحد 17 أغسطس 2008, 7:20 pm


وفي إحدى رحلاته إلى أمستردام، أغرم بإحدى بنات عمه التي كانت أرملة وأما لطفل عمره أربع سنوات، ورغم رفضها له لم يتردد في الانتظار لعل الأيام تمكنه من قلبها، إلا أنها رفضت بعد ذلك حتى مجرد رؤيته وقد لامته عائلته كثيرا، متهمة إياه بمحاولة فرض نفسه على إنسانة لا تحبه. مع ذلك هرع إلى بيتها وحاول بكل الطرق رؤيتها واستعطف والدها ليسمح له بذلك، لكن عمه نهره بشدة وقال له إنه لن يرى ابنته أبدا.
فترك المنزل وقلبه يعتصر من الألم، وقد حاول أن يحتك بالوسط الفني للمدينة لكنه اصطدم بسيطرة حب المال على الفنانين وكان أول نموذج رسمه فان كوخ لبغي التقى بها في مقهى، وكانت تجسيدا حيا للوحدة وتدمير الذات إذ كانت تشرب الخمر بإدمان ولا تبالي أبدا بالحياة، وكانت بالنسبة له تعبيرا صارخا عن الألم الذي يحسه المستضعفون من عمال وغيرهم، إذ كانت أما لطفل وحامل للمرة الثانية، فاعتنى بها فانسن واستلهم منها لوحة سماها "ندم" هي عبارة عن جسد امرأة عارية ، تجلس باكية ، وهي كلها ليست إلا جسدا، وقد جمع بينهما الألم، ولذلك كتب فانسن: "إن الألم المشترك يمكن أن يصبح سعادة".
وعندما دخلت تلك المرأة المستشفى (اسمها سيانSien ) كان هو الآخر في مستشفى يعالج من مرض داهمه، وقد خرج في الوقت المناسب وذهب لرؤية المولود والأم. وعندما سمع الأطباء يقولون أن Sien في حاجة إلى حياة عائلية مستقرة، لم يتردد وهو الفقير المعدم في أخذها عنده . وكانت الغرفة الكالحة لا تضم أكثر من سرير صغير وكرسي.
اتجه فانسن إلى تقنية الألوان وشرنق نفسه في العزلة ورفض التفكير في بيع لوحاته لذلك قررت سيان Sien أن ترجع إلى عملها كمومس، وعاد فانسن إلى الدوران حول نفسه
ثم رجع إلى بيت العائلة مرة أخرى، حيث التقى بامرأة أعجبت به وصارحته بذلك، وكانت في الأربعين وهو في الثلاثين فلم يصدق نفسه، وطلب منها الزواج لكن عائلته عارضت بشدة. فعاد من جديد إلى الوحدة، وانهمك في رسم المناظر الطبيعية والفلاحين. بعد موت والده رحل ولم يطالب بحقه في الميراث، رغم فقره وأخذ يدخن بشراهة ويغالب جوعه.. وأصبح يشكو من آلام في معدته ومن سعال شديد.
بعد ذلك، دخل أكاديمية الفنون الجميلة، وقد حضر إلى هناك بملابسه الرثة ولحيته غير المشذبة، مما أثار انتباه أساتذته، قبل أن يثيرهم مزاجه الحاد وغضبه ولم يمكث هناك طويلا حيث ذهب إلى مونتمارتر عند أخيه ، و عمره أربع وثلاثون سنة ودخل مدرسة أخرى لتعلم الرسم، لكنه تركها أيضا هو وزميل له يدعى هنري Henri ليهيمان ويكتشفان الألوان الحقيقية، واضطر إلى بيع لوحاته أحيانا ليسد رمقه. بعد سنتين قضاهما في باريس طور خلالهما فنه دون أن يعود عليه ذلك بنفع مادي، اتجه نحو آرل Arles وكان يقرأ بلزاك Balzac في المساء ولا يتغذى سوى بالكعك والحليب والبيض، وكان أخوه تيودور يساعده لكنه كان ينفق كل مواله على إبداعاته ولا شيء يباع.. وكان يحلم ببيت للأصدقاء لأن الوحدة كانت تدمره، فطلب من كوكان Gauguin الرسام الذي تعرف عليه في باريس والذي كان يعاني مثله، أن يسكن معه وكان الاثنان يعرفان آلام بعضهما . بدآ معا حياة جديدة . وكان كوكان يحب بعض الفوضى على اللوحة، وليس في البيت، في وضع الألوان وتنسيقها .. وليس في الحياة اليومية، وذات مرة رسم كوكان صديقه فانسن فصاح هذا الأخير: "إنه أنا ... ولكن أحمق ! وفي يوم، هيأ فانسن العشاء، ولم يرق لصديقه الذي علّق بسخرية " إنه مثل الألوان التي على لوحاتك" واستيقظ كوكان ذات ليلة فذعر لما رأى فانسن في غرفة كوكان ينظر إليه بنظرات مخيفة. وفي يوم آخر ، خلال المساء جلس الاثنان في مقهى وفجأة رمى فانسن صديقه بكأس على رأسه بينما تملك كوكان أعصابه، وعاد بصديقه إلى بيتهما وفي الغد أعلم كوكان صديقه أنه سيرحل قريبا.
وفي لحظة من لحظات جنونه زج أذنه وحملها إلى صديقته المفضلة راكيل، ثم عاد إلى البيت وارتمى على السرير ولما عاد كوكان قيل له أن صديقه قد مات . وعندما دخل الغرفة ، وجدها شاحبة وحمراء بدم فانسن، اقترب منه فانتبه إلى أن صديقه لازال حيا، وعندما جاء تيودور وجد أخاه في المستشفى حيث رأى الأذن في زجاجة.
في بداية يناير 1889 خرج من المستشفى وعاد إلى الرسم ثم عاودته الأزمة مرة أخرى، ودخل مستشفى للأمراض العقلية، حيث الأصوات المزعجة، والأنين والأكل يعج بالحشرات، والعذاب والألم. و قد كتب فانسن إلى أخيه أكثر من مرة يرجوه أن يخرجه من هناك، وبعد أن لبى طلبه خرج وعاد إلى الرسم... وأخذ يوزع لوحاته مجانا، ثم حاول أن يقنع طبيبه ليقبل منه لوحة لكن الطبيب رفض بشدة. أما الصيدلي فقد هرب قبل أن يحاول فانسن تقديم لوحة له . وكان يريد أحيانا أن يدفع لوحة مقابل ما يأخذه من مواد غذائية فكان البائع يعطيه ما يريده ويرفض أن يأخذ اللوحة.
في 17 ماي 1890 كان يقيم عند أخيه تيودور بباريس، وكان بيتهم عبارة عن متحف مزدان باللوحات التي لم تبع منها سوى اثنتان . وفي هذه الفترة كان فانسن يحس بالوحدة أكثر مما مضى خاصة وأن أخاه قد تزوج وأصبح مسؤولا عن أسرة، واستقر قرب باريس في بلدة أوفر Auvers التي رسم فيها بالخصوص "كنيسة اوفر" l’église d’auvers وبلدية اوفر la mairie d’auvers وهي آخر أعماله . وقد رأى تيودور "أوفر" مناسبة لأخيه خاصة وأن الدكتور كاشي Gachet طبيبه، سيقوم بتفقد أحواله هناك، ولكن فانسن لم يرتح في تلك البلدة وازداد شعوره بالألم والوحدة.
في يوم يوم الأحد 27 يوليوز 1890 خرج فانسن يتجول في الحقول خلال المساء وأثناء الغروب سحب من جيبه المسدس الذي استلفه من رافو Ravaux أحد جيرانه ليقتل به الغربان، فوضع فوهته على قلبه وضغط الزناد، فجرح في صدره جرحا بالغا، ومع ذلك استطاع المشي، وعاد مقوس الظهر ويده على بطنه. ثم صعد إلى غرفته. جيرانه الذين رأوه حزنوا وأخذوا يسمعون أنينه الآتي من غرفته.
وبعد حين دخلوا عليه فوجدوه مستلق على سريره غارق في دمه ووجهه إلى الجدار، يئن ويقول: " أريد أن أموت .. لقد فشلت" . حين حضر تيودور و رأى أخاه بكى بألم ، فقال فانسن" "لا تبكي ! لقد فعلت هذا من أجل راحة الجميع .. لم أكن أظن أن الحياة ستحمل لي كل هذا العذاب" . وذاق مزيدا من العذاب خلال يومين كاملين دخن خلالهما ليداري ألمه ، ولم يفكر أحد فكر في إزالة الرصاصة من صدره ..
في يوم الثلاثاء 29 يوليوز الساعة الواحدة والنصف صباحا، فارق فانسن الحياة بدون شكوى، حيث وضع نهاية لحياته بيده، وفي 30 يوليوز دفن فانسن تحت شمس لاهبة، وفوق قبره أخذ سرب من الغربان يحلق، أما تيودور فقد توفي بعد أخيه من فرط حزنه عليه في مستشفى للأمراض العقلية والنفسية عن سن لا تتعدى 36 حولا.
وترك فانسن عدة أعمال منها:
- أكلة البطاطس Mangeurs de pommes de terre 1885
- سورو Sorrow 1882
- حلقة المساجين la ronde des prisonniers
- القيلولة la sieste 1890
- نوار الشمس les tournesols 1888
- غرفة في آرل chambre de Arles 1889
- كنيسة أوفر l’église d’auvers 1890
- بلدية أوفر la mairie d’auvers 1890
- لوحات شخصية Autoportraits.



عن سلسلة كبار التشكيلين
العدد 3 ]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حنين محمود

حنين محمود


عدد الرسائل : 272
العمر : 42
الجنسية : مصرية
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا Empty
مُساهمةموضوع: رد: حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا   حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا I_icon_minitimeالأحد 17 أغسطس 2008, 10:26 pm

الموضوع ده فعلا مأساة يا استاذة ضحى ، انا اخدت معلومات كتيرة جدا منه بشكرك عليها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة اسامة
مشرف قسم مبدعون تحدوا القيود
هبة اسامة


عدد الرسائل : 372
العمر : 40
الجنسية : مصرية
تاريخ التسجيل : 15/08/2008

حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا Empty
مُساهمةموضوع: رد: حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا   حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا I_icon_minitimeالخميس 16 أكتوبر 2008, 2:46 pm

مجهود بستحق التقدير ياضحى

مودتى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حياة فنان انتحر طبقيا وجسديا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: أشعار وقصص مترجمة-
انتقل الى: