فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الموت ضحكاً

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
محمد سامي البوهي




عدد الرسائل : 1
العمر : 47
الجنسية : مصري
تاريخ التسجيل : 24/08/2008

الموت ضحكاً Empty
مُساهمةموضوع: الموت ضحكاً   الموت ضحكاً I_icon_minitimeالأحد 24 أغسطس 2008, 8:27 pm


الموت ضحكاً






عاش معي عشرة أشهر ، كان رجلاً لطيفاً ، أحببت مجالسته ليلا حيث يحلو السهر، نحتسي معا كؤوسا من الشراب المنكه بالنعناع ، والمسكر بطعم البرتقال ، ثم أبتلع بعض الأقراص البلاستيكية ، التي ترغم جسدي على ملاحقة الأجساد ، فتجعله يطير عبر الأزمنة ، والأمكنة ، فيحلق بخياشيم الأحرف ليتنفس من صلب الحياة ..
عندما أذكر للمختصين بأنني أستضيف هذا الرجل في رئتي اليسرى ، بالفص العلوي ، جوار القلب تماماً ، تتسع أحداقهم ، وتشرئب أعناقهم .. لأن الماثل أمامهم هو إنسان ميت لا محالة، فأعكف على لملمة نظرات الشفقة من أعينهم ،ثم أدهسها بحذائي ...

مازلت أذكر هذا الرجل الذي قابلت آهاته غرفتي بمستشفى (عين شمس التخصصي) عندما زارني ليلاً وربت على كتفي ، قائلاً لي بملء فمه ... (لا تخف ،ستعيش)،ثم تركني وانصرف دون أن ينبس بكلمة واحدة .. بكيته كثيراً عندما فوجئت بالصباح أن سريره كساه البياض..
في تلك الليلة ، كان المستشفى هادئاً إلا من فخامته التي بانت أمامي بكل تفاصيلها ، أرضية خشبية لامعة ، جدران نظيفة ، وسقف ممتليء بالمصابيح الصغيرة ، تلفاز متوهج بالزاوية البعيدة ، وزر يعتليني للاستدعاء الطارئ..
حاولت مقاومة الفراش للوقوف على قدمي ، لكن باءت كل محاولاتي بالفشل ، لم أيأس من منح جسدي وهم الحراك ، مددت يدي حيث انتهت الأنامل عند أطراف كتاب وضعه أخي على الطاولة جواري قبل رحيله ، كان كتاباً قد أهدته لي زميلتي (شذى) عندما أتت لزيارتي صباحاً ، تفحصت العنوان، فشعرت بسعادة غامرة، عندما اطمأننت أن قدرتي على القراءة مازالت بخير (أمريكا الضاحكة زمان - مصطفى أمين)، أعدت قراءة العنوان بصوت مسموع،مرات ومرات،ثم نظرت للوجوه (الكاريكتورية) الضاحكة المرسومة على الغلاف ،انفجرت ضحكاً ،فداهمني السعال..

تراءت أمامي أشكالٌ هلامية،لم أشعر بشيء بعدها،فقدت الأضواء المنتشرة بالسقف ، وبريق الأرضية الخشبية،ووهج التلفاز ووووو ...
عندما أفقت علمت أن ضيفي يكره الضحك ، لعنته .. و لعنت رئتي اليسرى .. و لعنت أمريكا وشذى ، ابتسمت الدكتورة (وفاء) للعناتي التي أعادتني للحياة...

طلبت من أخي دفتراً فارغاً ، وقلماً ،لكنه تهرب من طلبي، لا أعلم لمَ ؟؟، فسألت نفسي هل يكره ضيفي الأوراق والأقلام ؟، استفزني السؤال ،حتى أني صرخت في وجه أمي ليلاً ... بأن أفكاري تصارعني ، أريد ورقة وقلماً (ورقة وقلم يا عالم)،ربتت بيدها الحانية على صدري، وغابت عني ..
بالصباح ضغطت زر الاستدعاء الطارئ ،طلبت من الممرضة أن تزيح الستائر ،وتفتح النوافذ ، وتضيء الأنوار،وتشعل التلفاز ، وتحضر عمال النظافة لتلميع الأرضية،وتبديل الملاءات..
فقالت مستغربة : (طيب طيب ... على مهلك ..كل ده؟! )
السابعة مساءً..
عن يميني أبي ، وأخي ، وخالي ، وعن يساري أصدقائي ؛ نبيل ،ووليد ،وياسر ،تنحدر أعناقهم لركن التلفاز ،كانت المباراة النهائية لكأس الأمم الإفريقية ، والبداية مبشرة ،بهدف لصالح منتخبنا الوطني سجله اللاعب (أحمد حسن) في مرمى منتخب (جنوب إفريقيا ) ، كنت أتابع في شغف منتظراً النصر ، و من بين الصيحات ، والضحكات ، وأنباء الفرح ، تسربت آلامي ، لكن سرعان ما تناسيتها حينما اقشعر جسدي على وقع مراسم الفوز ، والأغاني الوطنية ..
التاسعة مساءً ..
انتهت الزيارة ...
رحلوا جميعاً ،وعاد الصمت ..
التقطت الكتاب بأطراف أناملي ، (أمريكا الضاحكة زمان)، بصوت مسموع كنت أردد ، وقعت عيني من جديد على صور الغلاف فابتلعت ضحكاتي ، أخذت أقلب الصفحات ، صفحة تلو الصفحة،لا جديد ، فأمريكا هي أمريكا ،شعرت بملل ،أخذت في عد المصابيح المنتشرة بسقف الغرفة ، توقفت لقضم أظافري، أخذت في عد المصابيح من جديد ، يبدو أني أخطأت العد ، لعنت المصابيح ، واعتذرت لأمريكا ، واعتذرت لرئتي اليسرى،وصديقتي (شذى) ، ثم حصرت الكتاب بين يدي ، تمعنت في الوجوه (الكاريكتورية) على الغلاف ، لم استطع التماسك ، انفجرت ضحكاً ، وأنا أضغط زر الاستدعاء الطارئ


محمد سامي البوهي

الفكرة : فبراير 1998
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسان دهشان

حسان دهشان


عدد الرسائل : 444
العمر : 59
الجنسية : مصرى
تاريخ التسجيل : 04/07/2008

الموت ضحكاً Empty
مُساهمةموضوع: رد: الموت ضحكاً   الموت ضحكاً I_icon_minitimeالإثنين 25 أغسطس 2008, 12:51 am

شكرا يا سامى على شوية الوجع الكويسين اللى حطتهم فى قلبى ومشيت
بقى كده ياراجل اجيلك زى الفل تحطنى فى السرير و توجع قلبى معاك
بص هى مره موافق علشان اول مره لكن بعد كده مش حرحمك حرد على الوجع بوجع
شرفت ونورت بنصك الجميل وسردك الرشيق جدا والقريب من الحته الشمال بشكل يغيظ ماشى يا سامى إن ما وريتك بس اصبر لما نبقى اصحاب.

حسان دهشان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رامي نور
مشرف قسم نصوص أدبية



عدد الرسائل : 265
العمر : 46
الجنسية : سوري
تاريخ التسجيل : 13/06/2008

الموت ضحكاً Empty
مُساهمةموضوع: رد: الموت ضحكاً   الموت ضحكاً I_icon_minitimeالجمعة 29 أغسطس 2008, 11:52 pm

جميل ... يذكرني هذا النص بألم أحاول أن أنساه دوما
مودتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
د. مصطفى عطية جمعة
مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
د. مصطفى عطية جمعة


عدد الرسائل : 183
العمر : 55
الجنسية : مصري
تاريخ التسجيل : 08/06/2008

الموت ضحكاً Empty
مُساهمةموضوع: رد: الموت ضحكاً   الموت ضحكاً I_icon_minitimeالسبت 06 سبتمبر 2008, 4:42 am

أخي العزيز / محمد سامي
تحياتي وأهلا بك في فضاء الإبداع
دائما نجد في سردك الكتابة التي تعبر عن كل الحواس : البصر والسمع واللمس والقلب ... ، وهنا نجد حالة وجودية ، اغتراب وألم ، في محيط مكاني يعطينا دلالة الألم ألا وهو المستشفى ، وسط حالة من وحدة البطل ، وانعزاله عن الحياة ، وإدانته لواقع عالمي متسلط .
شكرا لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموت ضحكاً
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: القصة والرواية-
انتقل الى: