رحلة التحدّي ...............

رحلة التحدّي

ذكاؤها و تفوقها في الدّراسة و فطنتها ثلاثة أسباب مقنعة مكّنتها من تجاوز اصعب التحدّيات بتفوّق و مهارة و تحقيق نجاح باهر في الامتحان القومي للسنة السادسة من التعليم الأساسي .و كم كانت فرحة أهلها عارمة إثر الإعلان عن النّتائج النهائية، فزغاريد الجدّتين تصمّ الآذان و رائحة الكسكسي المنبعثة من المطبخ تسيل لعاب من توافد من الأهل و الجيران على البيت لمشاركة العائلة هذا الحدث الهام .
تواصلت هذه الأجواء الاحتفالية مدّة ثلاثة أيّام لكنّ الفرحة لم تنطفئ من قلب الصبيّة و لا عائلتها طيلة العطلة الصيفية.و جاء اليوم الموعود ، يوم التحاقها بالمدرسة الإعدادية النموذجيّة . اصطحبها أبوها على درّاجته النّاريّة بعد ان ودّعتها أمها و جدّتيها متمنّيات لها النجاح و التوفيق في يومها الأول من هذه السنة الدّراسيّة الجديدة .
ما إن وصلت "نور" الى المدرسة حتّى فوجئت بالسيّارات المختلفة الألوان و الأنواع التي كانت تقلّ التلاميذ. كانوا يرتدون ثيابا متناسقة الألوان ، جيّدة الصنع و محافظ مزركشة تنمّ عن ذوق رفيع . ذهلت لشدّة جمال ما رأت و خالت أنها في عرض أزياء. و ممّا زاد دهشتها مشاهدة أناس يحملون آلات تصوير و كاميرا فظنّت بادئ الأمر أنّ التلفزة الوطنيّة تواكب هذا الحدث الهامّ لكنّها علمت فيما بعد أنهم اولياء بقيّة التلاميذ قرّروا تسجيل هذا الحدث الهامّ في حياة أبنائهم بطريقتهم الخاصة . دخلت "نور" القسم و قد انتابها شعور بعدم الارتياح من هذه الأجواء الغريبة عنها، و ممّا ضخم هذا الشعور في نفسها نظرات الازدراء التي كانت تلاحقها من قبل أغلبيّة التلاميذ فلم يسعَ احدهم إلى الجلوس حذوها أو محاولة التعرّف إليها فشعرت بغربة لم تشعر بها قطّ أنستها ما جاش في صدرها من فرحة طيلة الأشهر الماضية ، و انتابها احساس بالدون تجاه بقيّة زملائها .
و مرّت الأيام و تواصلت معها القطيعة بينها و بين بقيّة التلاميذ لكنّها لم تترك لهذه الأجواء الثقيلة الفرصة كي تلهيها عن هدفها الذي رسمته لنفسها عندما قرّرت الالتحاق بهذه المؤسّسة التربويّة و هو النّجاح في الدّراسة ، و لم لا التفوّق . فانكبّت على دراستها ليلا نهارا محاولة الاستفادة بكلّ ما توفّر لها من امتيازات قد لا يتمتّع بها بقيّة التلاميذ في المدارس الأخرى .انتهى الثلاثي الأول من السنة الدّراسيّة و كلّلت مجهوداتها بالنجاح فحقّقت التميّز و التفرّد بالمرتبة الأولى ممّا لفت انتباه بقيّة التلاميذ إليها فبادروا بالتقرّب إليها و التودّد لها لكنّها لم تشعر بالرّاحة تجاههم . كانت تحسّ أنّهم غير صادقين في مشاعرهم و كان هذا الاحساس ينغّص عليها فرحتها بالنّتائج التي حقّقتها . لكنها لم ترغب في إثارة أيّ مشاكل من شأنها أن تلهيها عن شاغلها الأساسي و هو النّجاح و التوفيق و مواصلة التميّز .
كانت العادة أن تأكل فاطمة لمجتها بمفردها و في يوم من الأيام اقتربت منها تلميذة كانت مرسّمة بالفصل الآخر و جلست حذوها فاقترحت عليها " نور" مقاسمة لمجتها البسيطة معها ، فلبّت هذه الأخيرة الدعوة بكلّ سرور . و لشدّ ما أسعدها هذا اللقاء و أدخل البهجة على نفسها أذ لمست في هذه التلميذة خصالا لم تلمسها في بقيّة التلاميذ ، فقد كانت تتميّز بالتواضع و الطيبة و العفويّة و التلقائيّة ممّا وطّد علاقتهما و جعلها تنمو عبر الأيّام . و كانت هذه الصداقة فاتحة صداقات أخرى اذ اكتسبت " نور" الثقة في نفسها و تخلّصت من الشعور الذي لطالما راودها و هو الشعور بالغربة و الوحدة فاستعادت ثقتها بنفسها و تخلّصت من عقدة الشعور بالدون فانفتحت شيئا فشيئا على بقيّة التلاميذ و استطاعت ان تفرض وجودها لا كتلميذة ناجحة في دراستها فحسب بل كشخصيّة اجتماعيّة ناجحة في خلق صداقات مع أناس يختلفون عنها من حيث الوسط الاجتماعي و التنشئة فأثبتت بذلك أنّ قيمة الانسان لا تقاس بماله و لا بانتمائه الاجتماعي بل بعلمه و اجتهاده و حسن أخلاقه .

مودتى
حسان