زرياب و العود
... و أمّا رئيس المغنّين أبو الحسن عليّ بن نافع المشهور بزرياب مولى أمير المؤمنين المهديّ
العبّاسي ، و تلميذ اسحاق الموصلي و نابغة هذه الفنون من الدّاخلين إلى الأندلس ، فإنّه أوّل من
اتّخذ من الأعواد أخفّها و جعل أوتارها من حرير لم يغزل و اتّخذ زبمّس و مثلثها من مصران شبل
الأسد . و زاد للعود وترا خامسا أحمر و سمّاه النفْس أي بمثابة النفس من الجسم و ذلك أنّ أوتار
العود أربعة جُعلت قديما مقابلة للأخلاط الأربعة فـ الزير و قد صُبغ أصفر جُعل في العود بمنزلة الصفراء
من الجسد و صُبغ الوتر الذي بعده أحمر بمنزلة الدم من الجسد ، و هو في الغلظ ضعف الزير و لذا
سمّي مثني . و صبغ الرابع أسود بمنزلة السوداء من الجسد و سمّوه البمَ و هو أعلى أوتار العود
وضعف المثلث الذي عطّل من الصبغ و تُرك أبيض اللون بمنزلة البلغم من الجسد و جُعل ضعف المثنى
في الغلظ .
و هذه الأوتار الأربعة مقابلة للطبائع الأربع ... فقوبل كلّ طبع بضدّه حتّى استوى كاستواء الجسم إلاّ
أنّه عطّل من النفس و النفس مقرونة بالدّم فأضاف زرياب من أجل ذلك إلى الوتر الوسط الدمويّ هذا
الوتر الخامس الأحمر الذي وضعه بالأندلس و وضعه بين المثلث و المثنى .
و اخترع مضارب العود من قوادم النسر معتاضا به عن مرهف الخشب فأبدع في ذلك ما شاء . و هو
الذي فكّ كتاب الموسيقى لبطليموس واضع هذه العلوم ... و هو الذي سنّ الطريقة المألوفة عندنا و
التي انتقلت إلينا من الأندلس و هي أنّ كلّ من يفتتح غناء يبدأ بالنّشيد أول شدوه بأيّ نقر كان
و يأتي إثره بالبسيط و يختم بالمحرّكات و الأهزاج .
الصادق الرزقي " الأغاني التونسيّة " ص 33-35
البمَ = عشيران ( لا ) / المثلث =دوكاه ( ري ) /المثنى = نوى ( صول ) / الزير = دان ( دو )