فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الورشة النقدية : قراءة في قصيدة : " عارية سوف ترقص " للشاعر نادي حافظ :

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. مصطفى عطية جمعة
مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
د. مصطفى عطية جمعة


عدد الرسائل : 183
العمر : 55
الجنسية : مصري
تاريخ التسجيل : 08/06/2008

الورشة النقدية : قراءة في قصيدة : " عارية سوف ترقص " للشاعر نادي حافظ : Empty
مُساهمةموضوع: الورشة النقدية : قراءة في قصيدة : " عارية سوف ترقص " للشاعر نادي حافظ :   الورشة النقدية : قراءة في قصيدة : " عارية سوف ترقص " للشاعر نادي حافظ : I_icon_minitimeالجمعة 29 أغسطس 2008, 10:28 pm

قراءة في قصيدة : " عارية سوف ترقص " للشاعر نادي حافظ :
الأسطورة شاهدة على الواقع الدامي
د. مصطفى عطية جمعة
من أبرز تجليات ما بعد الحداثة ، أنها أعادت الاعتبار إلى الأساطير الشعبية وما يترسب منها في الوجدان الجمعي الشعبي ، فالأسطورة ليست حكاية خرافية بقدر ما هي صورة من صور الثقافة والمعتقد . وهذا يجعلنا لا نتعامل معها من جهة الصدق أو الكذب ، أو الواقعية واللاواقعية ، بل يكون التعامل بتحليلها في ضوء ما يعتقده الشعب ، ويظن فيه الناس ، وهذا أمر يحدث على مستويات فئات الشعب وطبقاته ، نخبوية أو بسيطة ، هذا في المنظور الأنثروبولوجي ، الذي يحلل الأساطير بوصفها نمذاج للتفكير والمعتقدات ، أما الأدب فإن تعامله مع الأسطورة ينطلق من قدرة الأديب على فهم الأسطورة ، وإعادة قراءتها جماليا في ضوء طرح إبداعي ، له إسقاطات ودلالاته حسب السياق النصي .
وفي تجربة نادي حافظ الشعرية كثير من التجاوز الإبداعي الذي يحاول أن يقدم معطيات جمالية وأسطورية ، ويبدو التجاوز في هذه القصيدة من خلال التعامل مع أسطورة شعبية في الوجدان المصري ، إنها أسطور الفتاة التي تكثر من الوقوف أمام المرآة إعجابا بنفسها ، والمعتقد الشعبي فيمن يطيل المكوث أمام المرآة أنه مصاب بالجنون ، جنون العظمة الذاتية، خاصة من الفتيات ، لأنهن يغرقن في نرجسية الشكل من كثرة التأمل للوجه والجسد. ويتطور المعتقد عندما يكون الوقوف رقصا عاريا من الفتاة ، حيث تصاب بتلبس من الجن ، وتبرير هذا الظن عائد إلى أن العري أمام المرآة يكون في الحمام وهو مكان الشياطين والجن ، بحكم نجاسته ، وهناك روايات لا حصر لها عن تلبس الجن بمن تفعل ذلك .
في القصيدة – موضوع القراءة – نجد توظيفا لهذه الأسطورة ، ولكنه يتجاوز عرض الأسطورة إلى ربطها بمشاعر الأنثى وتوهج ذاتها ، فلنقرأ النص ، ومن ثم يكون النقاش .




النص :
دائما
ما تفاجئ مرآتها
بابتسامه
ثم ترطن في سرها
، بانفعال ،
عن بلاد تعبئ أطفالها
في رغيف
وتأكل.

تحذّر مرآتها
من بعيد دنا
أو :
من بلاد
يضاجع صبيانها
سوسنا
ثم تهذي بعصفورة
غامضة.


هي الآن
تشغل بال المرايا
تثرثر :
ــ هنا كان يحبو
على حلمه
ــ هنا
كان يقرأ أطياره.
تحط على عينها غيمةُ
بلا سبب :
سوف تضحك
وتخلع
وعارية سوف ترقص
وتضحك
وتحلف :
ما مسّني
غير جني صغير
يحب الفراش الملوّن
وتسكره
رائحة الجوافة.


هي الآن
تشغل بال المرايا
بزهورها الفاقعات قليلا
وبرائحة للبرتقال.
ربّما يستفزّ المرايا
تلصصُ مصباحها المشتعل
لذا
سوف تغمض عين المصابيح ،
تفتح دولابها ،
وفي حضنها
سوف تأخذ طفلا صغيرا
وبشراهة
سوف تشرع في بلّه بالقبل
وحين ينام الغطاء
على جسمها
سوف يأتي الفراش الملوّن
يحط على شفتيها
رحيقه.
القراءة النقدية :
نلتقي هنا مع توهج شعري ، يستند إلى معطيات جمالية ، وأول هذه المعطيات الجمالية ، التعامل مع المرآة بوصفها مرآة عاكسة ، ثم تتأنسن المرايا ، وتدخل في حوار مع الفتاة . ثاني هذه المعطيات : الاستناد إلى أسطورة شعبية راسخة في الوجدان الجمعي ، فمن تتراقص أمام المرآة كثيرا فإن الجن سيؤاخيها ، وتصاب بالهوس . إذن أنت تقدم جماليات جديدة في النص باستلهام الشعبي الأسطوري ، ثم المرايا شيئا وإنسانا . يقول :
دائما
ما تفاجئ مرآتها
بابتسامه
ثم ترطن في سرها
، بانفعال ،
عن بلاد تعبئ أطفالها
في رغيف
وتأكل.

تحذّر مرآتها
من بعيد دنا
أو :
من بلاد
يضاجع صبيانها
سوسنا
ثم تهذي بعصفورة
غامضة

تبدو الفتاة وحيدة ، لا تجد سلوتها إلا في المرآة ، والمرآة تعكس الوجه والذات ، ولكن الفتاة تتعامل مع المرآة العاكسة بوصفها إنسانا ، تحكي معه عن ظروف بالغة الألم ، عن بلاد ، وهي بلادها وبلادنا ، صارت الأسر تأكل أبناءها، جوعا وقسوة . إنها صورة حركية ، تتجاوز علاقات المشابهة التقليدية ، إلى تقديم لوحة تنبض بالحياة والحركة ، عن أطفال صغرت أجسامهم ، وباتت في شطائر يأكلها الآباء تلذذا أو قهرا . وفي اللوحة التالية ، فإن الصبيان ، وهم دون البلوغ الجنسي ، يضاجعون الخيال / السوسن ، فلا طعام لهم ، ولا أمل ، فكل ما حولهم غامض ، والعصافير تنطق يأسا ، وضبابية . ثم يقول:
هي الآن
تشغل بال المرايا
تثرثر :
ــ هنا كان يحبو
على حلمه
ــ هنا
كان يقرأ أطياره.
تحط على عينها غيمةُ
بلا سبب :
سوف تضحك
وتخلع
وعارية سوف ترقص
وتضحك
وتحلف :
ما مسّني
غير جني صغير
يحب الفراش الملوّن
وتسكره
رائحة الجوافة.

لم يتوقف النص عند هذا المستوى المتجدد ، بل تحولت الرؤية إلى حلم ، ليصبح الشيء / المرايا عنوانا على حلم الفتى أو الصبي ، وجنون الفتاة ، أي تصبح الأسطورة معادلا موضوعيا للحلم البسيط للصبي والفتاة ، والصبي كان طعاما في شطائر المجتمع ، وكان يضاجع السراب والسوسن ، وتكون المرايا شاهدة على ذلك ، ونفاجأ بتعبير " تحط على عينها غيمةُ بلا سبب " فهذه الغيمة علامة على تلبس الجني ذات الفتاة ، وهذا وجه من أوجه التلبس للجان في الوجدان الشعبي، ومن ثم ينتقل بنا النص إلى علاقة الفتاة بالجني ، فهو صغير ، يناسب سن الصبيان الصغار المحرومين من السعادة في الحياة ، وهم ضحية مجتمعاتهم ، ضحية الفقر والقهر ، فتكون حالة التلبس هذه موازية ومقاربة للحلم بالجميل والماتع للفتاة والفتى .
هي الآن
تشغل بال المرايا
بزهورها الفاقعات قليلا
وبرائحة للبرتقال.
ربّما يستفزّ المرايا
تلصصُ مصباحها المشتعل
لذا
سوف تغمض عين المصابيح ،
تفتح دولابها ،
وفي حضنها
سوف تأخذ طفلا صغيرا
وبشراهة
سوف تشرع في بلّه بالقبل
وحين ينام الغطاء
على جسمها
سوف يأتي الفراش الملوّن
يحط على شفتيها
رحيقه.

صارت المرايا – بصيغة الجمع – شاهدة على هذه الفتاة التي غرقت في معية الجني ، فقد رأت المرايا الفتاة مزدانة بالزهور فاقعة الألوان ، وباتت تشم رائحة الفاكهة ، وتشتاق الفتاة لكل هذا إلى طفل صغير تحتضنه ، وتعطيه حبها. إن الإلحاح في النص على الأطفال الصغار والصبيان ، لهو معبر عن رؤية الشاعر لهوان المجتمع وذله ، فهذا الهوان لا يبدو في سحنات الكبار ، بل في حياة الأطفال والصبيان والفتيات الذين يفرون من الجوع إلى سراب الحلم والرقص أمام المرايا ، ومصاحبة الجن ، ويكون الجن أيضا صغير السن ، في إدانة لكبار السن الذين ارتضوا الهوان ، وارتضوا أن يكون صبيانهم طعاما لهم .

في هوامش النص الإبداعية الإلحاح على المشموم ( رائحة الجوافة والبرتقال والرحيق ) والمرئي ( الفراش الملون والمرايا والسوسن والزهور الفاقعات ) ، وهذه علامات للحلم ، إنه حلم بسيط أساسه الطبيعة الساحرة البريئة الساذجة .

إن استفزاز المرايا دال على أنسنتها ، وهي - المرايا - تتلصص ، وتراقب هذا الفتي الذي يغازل محبوبته ، فصارت المرايا عينا للمتلقي على هذا الجنون العشقي ، الذي أسفر عن طفل تغرقه المرأة بالقبل الشرهة .
النص رائع ، وفيه نقلة كبيرة في الشعر ، وفي النظر إلى الأشياء ، وهي يعيدنا إلى المدرسة الشيئية في الفن التي تتعامل مع الأشياء بوصفها كائنات حية ، تحيا معنا وتصاحبنا وتحاورنا ، وإلى القراءة الأسطورية ، التي تتوغل في أعماقنا، وهذا أحد تجليات ما بعد الحداثة في تعاملها الإيجابي مع الجماد والأسطوري والرومانسي .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الورشة النقدية : قراءة في قصيدة : " عارية سوف ترقص " للشاعر نادي حافظ :
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: دراسات وآراء في النقد الأدبي-
انتقل الى: