2 - ب- عند النقاد العرب المحدثين:
يمكننا حصر اتجاهات النقاد العرب المحدثين حول مفهومهم للصورة في ثلاث اتجاهات هي:
اتجاه تبنى طروحات النقاد الأوربيين الغربيين،ونفى عن العرب معرفتهم للصورة الفنية إذ التفت بعضهم إلى النقد الغربي، واقتبس منه الكثير من الدراسات وراح يطبق ما نهل من معارف وأفكار على نصوص شعرية قديمة، فتراءت له صورة المرأة رمزا للمعبودة الشمس، وصورة الثور الوحشي رمزا للمعبود القمر…، وهذا الذي اعتنقه كلّ من علي البطل في دراسته الموسومة بـ(الصورة في الشعر العربي حتى نهاية القرن الثاني الهجري دراسة في أصولها وتطورها) ونصرت عبد الرحمن في كتابه (الصورةالفنية في الشعر الجاهلي في ضوء النقد الحديث).
أما الدكتور مصطفى ناصف في (الصورة الأدبية)، ونعيم اليافي في (مقدمة لدراسة الصورة الفنية،وتطوردراسة الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث) فلم يبعدا عن سابقيهم في الاعتماد على النقد الأوربي،وتبني طروحاتهم في حقل الصورة.فها هو ناصف - متأثرا بالفكر الغربي- يرى أن مصطلح الاستعارة أهدى من مصطلح الصورة و أنّ كلمة (صورة) تستعمل –عادة – للدلالة على «كل ماله صلة بالتعبير الحسّي، وتطلق أحيانا مرادفة للاستعمال الاستعاري للكلمات، ذلك أنّ لفظ (الاستعارة) إذا حسن إدراكه، قد يكون أهدى من لفظ (الصورة)، وأنّ (الصورة) – إن جاز الحديث المفرد عنها- لن تستقلّ بحال عن الإدراك الاستعاري»
واتجاه ثان – على قلّته – تشبّث بالقديم،وأعلى من شأنه،فلم يلتفت إلاّ لما أفرزه الفكر العربي القديم من أفكار ونظريات،ويمثّل هذا الاتجاه الدكتور كمال حسن البصير بكتابه (بناء الصورة الفنية في البيان العربي).
واتجاه أخير معتدل،قرأ بعين الناقد البصير،فأقرّ فضل القديم،وبيّن ميزة الجديد الملائم وأوضحه، ومن هؤلاء علي إبراهيم أبو زيد في (الصورة الفنية في شعر دعبل الخزاعي)، وعبد الله صالح نافع في (الصورة الشعرية في شعر بشار بن برد) و بشرى موسى صالح في (الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث)، وجابر عصفور في (الصورة الفنية في التراث العربي القديم).
وإذا انتقلنا إلى التعاريف المصاغة للصورة وجدناها كثيرة لا يمكن حصرها في مبحث كهذا، ونكتفي باستعراض بعضها، فأحمد الشايب يقول عنها:«هي المادة التي تتركب من اللغة بدلالتها اللغوية والموسيقية، ومن الخيال الذي يجمع بين عناصر التشبيه والاستعارة والطباق وحسن التعليل »)، أمّا الدكتور علي صبح قيقول عنها:« هي التركيب القائم على الإصابة في التنسيق الفني الحي لوسائل التعبير التي ينتقيها وجود الشاعر – أعني خواطره ومشاعره وعواطفه - المطلق لعالم المحسّات ؛ ليكتشف عن حقيقة المشهد أوالمعنى، في إطار قوي نام محس مؤثّر، على نحو يوقظ الخواطر والمشاعر في الآخرين، و عبد القادر القط يرى فيها:«الشّكل الفني الذي تتخذه الألفاظ والعبارات بعد أن ينّظمها الشاعر في سياق بياني خاص ليعبر عن جانب من جوانب التجربة الشعرية الكاملة في القصيدة مستخدما طاقات اللغة وإمكانيتها في الدلالة والتركيب والايقاع والحقيقة والمجاز والترادف والتضاد والمقابلة والمجانسة وغيرها من وسائل التعبير الفني »، أمّا عبد الفتاح صالح نافع فيرى فيها:«الصيغة اللفظية التي يقدّم فيها الأديب فكرته، ويصوّر تجربته، ويتضمّن اصطلاح الصورة الشعرية جميع الطرق الممكنة لصناعة نوع التعبير الذي يرى عليـه الشيء مشابها أو متفقا مع آخر، ويمكن أن يتركز في ثلاثة أصناف هي: التشبيه والمجاز والرمز»
إنّ اصطلاح (الحقيقة والمجاز) قد اتخذ في النقد الحديث والمعاصر اسم (الصورة) ونحن في دراستنا هذه، آثرنا مصطلح (الصورة) بدل مصطلح (الاستعارة) ذلك أنّ مصطلح (الصورة)، في نظرنا، أوسع وأشمل، فهو يشمل أنماطا تعبيرية مختلفة، بلاغية وغير بلاغية، فهناك أنماط غير بلاغية لا ترتبط بالمجاز مطلقا، وهي مع ذلك، تشكِّل صورة فنية.وما الميل إلى استخدام مصطلح (استعارة) بدل مصطلح (صورة) من بعض النقاد الغربيين والعرب – إلاّ انطلاقا من ادراكهم لطبيعة (الاستعارة)التي لها القدرة على تخطّي الحدود، وكسر الحواجز، وإذابة الفواصل، وخلق التفاعل والتجانس بين جميع العلاقات.
وخلاصة القول لا نرى في الصورة الفنية مجرد وصف تقريري،أومحاكاة أمينة للواقع الخارجي، أو الطبيعة وواقع الحياة، فحسب، بقدر ما نرى فيها أيضا الومضة التلقائية التي تفرض نفسها على المبدع في لحظة من الزمن كتعبير عن حالة نفسية وشعورية