حول خطأ الدكتور محمد شحرور
في كتابه (الكتاب والقرآن- قراءة معاصرة)
بقلم أيمن صالح سليمان
بداية أرغب بتقديم الشكر والتقدير للجهد المبذول في كتاب الدكتور المهندس محمد شحرور, الذي وإن كان - من وجهة نظرنا- قد وقع في مطب البداهات الخاطئة التي حذّر منها, وأخطأ في إصابة النظرية الصحيحة المتعلقة بالموضوع الذي أثاره, فهو بلا شك قد أثار موضوعاً مهماً و لولا إثارته لما كان بمقدوري الآن أن أقدّم هذا المقال.
وأنا هنا أريد أن أعزل نفسي عن الردود التعسفية التي أصدرها العقل الإسلاموي الذي لا يجيد العزف إلا على الأبعاد الأيديولوجية ولا يشعر بمسؤوليته نحو تقديم خطاب معرفي يجيب عن الأسئلة التي يثيرها الشحرور ويبني عليها, ولا سيما كتيـّب (الأسس الخاسرة للقراءة المعاصرة) الذي لم يلامس الموضوع الأساسي الذي يقوم عليه كتاب الشحرور.
تقوم نظرية الشحرور على النص القرآني التالي:
[ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات, فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌ من عند ربنا وما يذّكر إلا أولوا الألباب 7][آل عمران].
ويستند الشحرور بالمقارنة مع قوله تعالى: [ الر كتاب أحكمت آياته ثم فصـّلت من لدن حكيم خبير 1][هود].
فيصل الشحرور إلى نتيجة مفادها أنه طالما لدينا كتاب أحكمت آياته وكتاب منه آيات محكمات وآخر متشابهات فهما كتابين وليسا كتاب واحد, وطالما أن هناك نص قرآني آخر يقول: [الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني... 23 ][الزمر], فهو كتاب ثالث, ويمضي الشحرور في سرد طويل يقول فيه أشياء كثيرة لا يتسع لها هذا المقال وأهمها أن القرآن هو ليس هذا المصحف إنما هو كتاب من مجموعة كتب جمعت في هذا المصحف.
لذلك نريد أن نقدم هذا البيان الضروري على نحو مختصر مفيد:
إن البداهة الخاطئة التي وقع فيها الشحرور هي التي تعتبر أن آيات القرآن هي فقراته المرقمة (المسماة آيات – كتسمية شعبوية), وإنما هي كل دلالة أراد النص أن يدل عليها مهما كبر حجمه أو صغر, فأنا حين أقرأ المادة أو الفقرة (198) من سورة الشعراء [ ولو نزّلناه على بعض الأعجمين] فأنا لا أصل إلى الدلالة وبالتالي لا أرى الآية, ولكن حين استكمل النص فأجد الفقرة (199) [فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين], فأنا قد أصل إلى الدلالة أو الآية التي قد تكون بمعنى أن من لا يفهم النص القرآني لا يرى آياته, وقد أستكمل القراءة فأجد الفقرة (200) [كذلك سلكناه في قلوب المجرمين] فأصل إلى دلالة أن المجرمين هم الذين يحملون الكتاب ويتحدثون باسمه وهم لا يفقهوه ولا يتدبروه, وأنا قد أجمع هذا النص مع نص قرآني آخر يقول [... لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب] [الرعد] فأجد أن الآية قد تكون ما نستخلصه من معنى أن كتب الله التي أنزلها تتناسب مع طبيعة العقل الذي يخاطبه الذي يرتبط بثقافة عصر معين قد لا تناسبه ثقافة عصر آخر, وهكذا فقد تكون الآية دلالة أراد أن يدل عليها نص قرآني معيـن, وقد تكون الآية خلاصة أنتجتها دراسة جمعية لمجموعة نصوص قرآنية تكاملت في إنتاج المعنى المراد بيانه(كل متكامل- وهو المنهج الذي لا يقوم الفقه إلا عليه), وقد ينطوي نص قرآني معين على دلالات متعددة (خاصية تعدد المعنى), فكلمة أعجمين في النص السابق بمقدار ما قد تعني اللسان بمقدار ما قد تعني القلب أو العقل والثقافة, وبالتالي فإن فرز الكتاب إلى آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات, هو ليس فرز على مستوى النص ذاته كما فهم الشحرور, وإنما فرز على مستوى تصاعدي تتراكم عليه الدلالة من المستوى الأفقي (الذي هو النص) إلى رأس الهرم الذي تتموضع فيه جملة المقاصد المحكمة أم الكتاب التي يهنئ الله من وصل إليها, (الدلالات الكلية), ويمكن أن نفهم الموضوع على شكل سلسلة هي : (مفردة – جملة – موضوع - خلاصة - حقيقة – هداية (أم الكتاب).
وبالتالي فإن الكتاب هو كتاب محكم في موضوعه الذي تستخلصه القراءة الكلية التي تتفهم بنيته الهرمية التكاملية (أي المترفعة عن التسطيح والانتقائية والاجتزائية), وهو متشابه في تفصيله تشابه تفرضه طبيعة اللغة السائدة ومستوى فصاحتها وتطوّرها وهو تشابهان:
1- تشابه اللغة السائدة من حيث (إشكالاتها الدلالية, تناقضاتها, وعيوبها), وهو تشابه بمعنى اشتباه, يعود لطبيعة اللغة السائدة ومستوى الفكر والثقافة الذي ميـّز ذلك العصر, كما يعود لطبيعة المنهج الفقهي.
2- تشابه بنيوي يتولد من البنية التمثيلية التي تريد أن تعالج محدودية اللغة ومستوى فصاحتها وهي تشكل أهم خواص القرآن كطريقة بيانية لانتاج المعنى, وهو تشابه حيوي يقوم على إعطاء المفردات الكونية قيمتها الروحية مثل (ميزان, كرسي, عرش, سماء, شجرة, ...)
- وهنا أردت أن أكتفي بهذا القدر من التوضيح, لأن الموضوع المثار يشكّل مدخلاً لبحث طويل لا مجال هنا لعرضه.