فضاء الإبداع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فضاء الإبداع

هذا فضاء للجميع فدعونا نحلق معا في أفق الإبداع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 حالة عطف

اذهب الى الأسفل 
+3
د. مصطفى عطية جمعة
حنين محمود
عصام الزهيري
7 مشترك
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالإثنين 24 نوفمبر 2008, 1:50 am


مص إصبعه كما يفعل طفل صغير وأطلق من أنفه دخان المعسل المحبوس في صدره، لم يكن عقله معتادا على التصورات المجردة أو الأفكار المستقبلية، لكنه فعلها وهو ينصت لحكاية طويلة عريضة يمكن أن تقود صاحبها في الأحوال العادية إلى موقف من مواقف التسول. العجوز الذي لم يكن بينه وبينه تعارف مسبق كان يرتدي بلوفرا قديما على بنطلون بيجامه بيتي قال إنه موظف قديم على المعاش لديه ولد بالجامعة وبنات بمراحل التعليم الأدنى، قال إنه يخشى أن يموتوا جوعا قبل أن يتخرج أحدهم ويستلم وظيفته إذا وجدها. وجد نفسه في قلب حالة من العاطفة الجياشة والتأمل البصير، قلبه ممتلئ بالنزيف وعيناه بالدموع، ولأن أحدا لم يعلمه من قبل أن بعض المواقف لا تتطلب الكلام فقد تكلم مقهورا على قول شيء، ولدهشته كان كل ما قاله "نعم يمكن أن يموتوا طبعا!.."
ثم انقطع وقد أحس أنه أفسد شيئا ما

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالأربعاء 26 نوفمبر 2008, 2:06 am



دعوته للجلوس ريثما انتهي من أوراق معاملته، أسند ظهره على مقعد الكرسي الملاصق لجانب مكتبي من الجهة اليمنى، نظر للأمام نظرة تأمل طويلة مكنتني من اختلاس نظرات متباعدة - أثناء العمل - على جانب وجهه المحمر، فجأة وبصوت خفيض انساب في الحديث، بدا كأنه يحدث شخصا خياليا يجلس على الكرسي الفارغ على الجانب الأيسر المقابل له، تحدث عن تفاهة العالم، عن فقدانه للشعر، عن الزوجات والتدخين ومكبرات الصوت، عن السرطانات والمقاهي والجراثيم المجنحة في الهواء، زفر زفرة عميقة طويلة، ثبت عينيه على كفيه المعقودين في حجر بنطاله، أدار وجهه نحوي، ظل صامتا لبرهة كأنما يفكر في سؤال، ثم سألني:
هل انتهيت؟!..
قلت: نعم ومددت يدي بالأوراق، مد يده، تناولها، وضعها تحت إبطه ومضى.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حنين محمود

حنين محمود


عدد الرسائل : 272
العمر : 41
الجنسية : مصرية
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالأربعاء 26 نوفمبر 2008, 4:05 pm

أستاذ عصام أنا محتارة هل هي قصة واحدة ؟ أم مجموعة قصص ؟
عموما ما قرأته كاف لأن أقول لك أسلوبك دائما يبهرني
دمت بكل خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
د. مصطفى عطية جمعة
مشرف قسم دراسات وآراء في النقد الأدبي
د. مصطفى عطية جمعة


عدد الرسائل : 183
العمر : 54
الجنسية : مصري
تاريخ التسجيل : 08/06/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالخميس 27 نوفمبر 2008, 11:34 pm

الأخ الحبيب الصديق / عصام
تحياتي وتقديري
الجميل في هاتين القصتين أنك تغامر في الولوج إلى القصة القصيرة جدا ، وهنا نجد لقطات رائعة مرتبطة بالحياة : في المقهي مع المتسول ، وفي العمل مع الشاكي المتبرم من الشعر والحياة والناس ، وتنتهي القصة بعنصر المفارقة غير المتوقعة ، ولكنها مفارقة دالة جدا على نفسية البطل كما في القصة الأولى ، فقد تحولت جملة البطل المحاور دعهم يموتون إلى سخرية مرة عبثية من واقع اجتماعي مأزوم ، وفساد لا ينتهي لا يستوجب العيش والتسول .
شكرا لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالجمعة 28 نوفمبر 2008, 3:31 am

الصديقة حنين
للصدق سوف أكون غير متأكد لو حاولت الفصل التام بين المقطعين وبين ما يمكن أن يأتي من مقاطع لأن كلاهما أتى تعبيرا عن حمولة العنوان "حالة عطف"، كذلك لست متأكدا من دلالة المزج التام بينهما هل هي معبرة أكثر في قراءة الحالة أم لا. وربما عمدت إلى المزج فيما بعد فعلا أو ربما أعمد للفصل بين المقاطع عند النشر مثلا كأن أعطي لكل منها عنوانا مختلفا يمنحها الاستقلالية والتمايز تحت العنوان العام. لكن ما أنا متأكد منه أن كلا المقطعين السابقين وما سيتلو أيضا معطوف كل منها على الآخر بصورة ما، وأنه يرضيني جدا أن أشاطركم تحديد النسبة الدقيقة لحالة العطف كما عطف المقاطع على بعضها.
سؤالك أسعدني بما فيه من عناية بقدر ما أسعدني إطراءك لأسلوبي
مودتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالجمعة 28 نوفمبر 2008, 3:41 am

الحبيب مصطفى
وجودك على طرفي المتصل الإبداعي كتابة ونقدا أكسب رؤاك عمقا ولاشك، راج طويلا بين الشعراء والفلاسفة تعبير "شاعر الفلاسفة وفلاسفة الشعراء" لوصف المبدع الذي يجمع بين الوحي والمنطق، وأنا سأجرب معك بدوري هذا التعبير "مبدع النقاد وناقد المبدعين".
بالفعل كما تفضلت فإن الولوج إلى مضمار الشكل الأقصوصي الرائج والمراوغ مغامرة محفوفة بالمتعة والمخاطر أتمنى ألا أعود منها خالي الوفاض. كما أتمنى أن يكون ما قدمته من نقد بين يدي النصين هاديا مفيدا وحاديا للإكمال
مودتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالجمعة 28 نوفمبر 2008, 3:49 am



يقف في زاوية الشرفة كشبح يمتطي مقدمة سفينة تبحر في الظلام على خلفية تعلق فيها القمر المستدير بستار السماء، يرتفع صوته بغناء له نغم غريب، ليس غناء حقيقيا كالذي نعرفه، لا تفهم منه كلمة واحدة، لكن صوتا شبيها بالغناء لهذه الدرجة لا يمكن أن يصدر إلا عن مشاعر إنسانية عميقة، يحدث هذا خصوصا في ليلات الصيف، لكن في أمسيات الشتاء الطويلة تعلو همهمته المتوترة، تتكاثف وتتصاعد كأنما بفعل قانون موسيقي خفي لتصبح نواحا، والنواح يلد صراخا، ويتواصل صراخه لساعات، في ليال أخرى بالذات التي يبلغ فيها القمر استدارته يصدر عنه عواء يشبه عواء الكلب المضعضع في حنينه لأصول قديمة متوحشة، وعندما يبلغ ذروته لا يمكن تمييزه عن عواء ذئب حقيقي جائع مرة، ومرة مريض، ومرة حزين أو متألم، ومشتاق وثائر ومهتاج و..و..وذات ليلة لا ينساها أحد ظل يتوجع طيلة الليل، حرم الكثيرين من النوم لقرب الفجر حتى صدقوا أن توجعه صادر عن مرض جسدي يذيقه الألم فعلا.
كل من يسكن - أو سكن يوما - هذا المربع الصغير الذي تتشكل منه مداخل ومخارج جيرته يشتكي من هذه الظاهرة الصوتية الليلية في الصباح، لكنها ليست شكوى حقيقية ولا يتبعها أبدا أي تحرك تجاه جهة مختصة أو غير مختصة، وعندما يأتي المساء يلجأون فقط إلى الحيل التي أتقنوها، أهم هذه الحيل رفع أصوات أجهزة التليفزيون داخل البيوت وأجهزة "الووكمان" ذات السماعات تسد الأذان والتي أخذت تنتشر - كأنما بالعدوى - في الشرفات. بل إنه مع الوقت وتنامي حس الألفة بوجوده الصوتي لم يعد أحد يسأل إلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع، وبدأ البعض - خصوصا من المراهقين والزوجات والأطفال - يفصحون عن مشاعر أخرى بخلاف انزعاجهم من الصوت، منهم من كان يمكن أن يعجب بصوته وأغانيه رغم أنه أنصت لها دون أن يجني من إنصاته أي فهم، ومنهم من كان يتلذذ بالإنصات إلى عوائه الذي يدغدغ في النفوس مشاعر غامضة ورهيبة لكنها حاضرة منسية طيلة الوقت، ومنهم من دخل الصوت حياته من باب العادة الواسع فبات يفتقده ويسأل عنه لو تأخر ذات ليلة.
في هذه الليلة كان يغني غناء خافتا وأسيانا، يرتفع حتى يلامس الصراخ وينخفض حتى لا يكاد يسمع بالمرة لكنه احتفظ طيلة الوقت برنة الشجن التي تذكر بوسوسة شجية لخلخال في قدم مسافرة لمسافة طويلة. وحين انتهى لم يكن ما سمعوا هو الصوت المألوف لاصطكاك ضرفتي شيش الشرفة كما يحدث وهو يغادرها كل ليلة، كان الصوت صوت ارتطام آخر مكتوما ومبطوحا. ثم هبوا بعد قليل على صراخ عابرين اصطدموا في الظلام بجثته الملقاة على الرصيف. على أنوار الكشافات القوية المتكاثرة من حول الجثة اكتشفوا أنه لم يسبق لأحدهم أن رآى ملامحه عن قرب أو تعرف له شكلا غير شكل شبح أسود كان يقف في زاوية الشرفة كمن يمتطي مقدمة سفينة تبحر في الظلام.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالأحد 30 نوفمبر 2008, 3:27 am


لما كنت هناك، كانت توتا متأهبة للخروج في ذروة انتعاشها وأناقتها، رفعت رأسي عن دور الطاولة ولم أكن في حاجة للنظر إليها وهي تقف على باب الغرفة كي أخمن، كان صوتها الذي سلمت به عليّّ قبل أن أراها ونبرته ذات الرعشة التي نطقت اسمي أقوى من التخمين، لابد أنها كانت على وشك الاستئذان للخروج عندما هاجمتها:
- توته يا بنت عمي..أعملي لي كباية شاي!
تراجعت واحمّر وجهها غير قادرة على الرفض، لما راحت تعمل شاى فكرت في هذه المفارقة، توته بنت عمي تحب صديق طفولتنا، وصديق طفولتنا يحب توته بنت عمي، وصديق طفولتنا الذي أراد أن يكون أمينا مع نفسه كما قال وجد لديه الجرأة لكي يفضي لي بسر حبهما، لكن توته لم تجد هذه الجرأة أبدا، في حين أني فكرت وهو يخبرني بأني ولا شأن لي من قريب ولا بعيد فقد وضعت في ورطة، ما هي هذه الورطة؟!، عندما سألت نفسي: ما هي هذه الورطة؟!، لم أستطع تحديدها فعلا. لكني استغبأت صديق طفولتنا الذي وضعني في الورطة، واستغبأت توته لأنها لا تثق فيّ إلى حد الخوف ربما، وهما معا غبيان لأن أحدهما لم يشأ أن يصارح الآخر بمصارحتي، وهو ما كان ولابد سيجنبني الحرج في أمر لا شأن لي به أصلا.
وضعت صينية الشاي بجواري وذهبت مستئذنة، عدة خطوات ووجدت نفسي أدعوها:
- توته يا بنت عمي..
نظرت مخضوضة فقلت:
- أقفلي الباب وراك!.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
آسيا خليل
مشرف قسم الرواد
آسيا خليل


عدد الرسائل : 195
العمر : 54
الجنسية : سورية
تاريخ التسجيل : 13/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالإثنين 01 ديسمبر 2008, 12:55 am

( في هذه الليلة كان يغني غناء خافتا وأسيانا،
يرتفع حتى يلامس الصراخ وينخفض حتى لا يكاد يسمع بالمرة
لكنه احتفظ طيلة الوقت برنة الشجن التي تذكر بوسوسة شجية لخلخال في قدم مسافرة لمسافة طويلة .)
القاص المتميز الأستاذ عصام
سعدت بما قرأت حقاً
تمنياتي بدوام الابداع
خالص المودة والتقدير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالإثنين 01 ديسمبر 2008, 1:27 am


الصديقة الشاعرة الجميلة آسيا خليل
كما هو مسعد مرورك الذي يصحبه الشعر
شكرا ومودة لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالإثنين 01 ديسمبر 2008, 1:38 am

ا
واقفا يعد فنجان قهوة بالحليب حدثني عن فتاتيه الفرنسيتين، كلود كراشيردير ودومينيك أدبر، نطق الأسماء برقة تفوح منها رائحة فرنسية خالصة، التقاهما في رحلة أسبوع قضاه في مصيف بالعريش، أدبر كانت تدرس اللغة العربية للفرنسيين المقيمين بالبلد، سألته مرة عن قنفذ رأته، أخبرها أنه بالعربية يعني قنفذ وأنه من الفصيلة الفأرية لكن تغطي جسمه الأشواك، أخبرني أن ذلك أدهشها، أدبر كتبت له على علبة كبريت العنوان الذي تقيم فيه بمكان ما في شارع مصدق، أما كراشيردير فقد أتفقا، هي وهو، على الزواج. وقبل أن يفترقا قالت له مشجعة: نو دوت!.
"يعني بدون مهر، فاهم؟"
سألني فسألته: وبعدين؟. قال: مافيش..قبل أن أصل القاهرة فقدت علبة الكبريت!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالجمعة 05 ديسمبر 2008, 4:29 am

ا
أمام المرآة تذكر أن اليوم عيد ميلاده الواحد والأربعين، تجمدت يده اليمنى التي تمسك بطرف ربطة العنق وأصابع يده اليسرى التي تحتضن عقدتها قبل أن يعاود فكها وإلقائها على طرف الفراش. طالما واصل عقد رباط العنق وفكه، كأنه لم يفعل طوال حياته الماضية شيئا آخر غير ذلك. في الصباح يضع ربطة العنق ليذهب إلى العمل، في المساء يضع ربطة العنق ليذهب لزيارة مريض أو قريب أو صديق أو عرس أو عزاء، كل هذه المناسبات التي أدمن معاقرتها ألغت حياته واختصرتها. الأجزاء الكبيرة من ذاته التي اضطر طوال حياته للتضحية بها لم يأخذ في مقابلها شيئا يمكن أن يزيد عن ربطة العنق، المناصب الإدارية التي تنقل بينها وكابد بمشقة صعوبات المحافظة على مسيرته المتدرجة خلالها لم تكن أكثر من وسائل جعلته يستمتع فقط بالعقدة الرابضة تحت ذقنه بإحكام. في مقابل ذلك، أفرغ ذاته من أشياء أخرى كثيرة، ثمينة وهامة، كان من الممكن أن تمتلئ بها. لم يحتفظ لذاته من ذاته القديمة التي يتذكر بصعوبة أنه كان يمتلكها ذات يوم إلا بحبه الجارف لأفلام السينما، أخذ ليلة بعد أخرى، عاما وراء عام، يملأ بالخيالات الفضية هيكله البارد الذي أصبح يشبه دلوا خاويا يمتليء ليفرغ.
في هذا الصباح أدى به استرساله العميق إلى النظر باحتقار إلى رباط العنق الملقى وإلى الخروج بالقميص عاريا تحت جاكيت البدلة. ولم يكن هذا فقط كل ما تمكن من التمرد به على ذاته القائمة، إذ أنه وبعد منتصف الليل، قفز كما يقفز مملوك هربا من مذبحة على صهوة جواد من شرفة شقته، جاس الحارات المنعزلة والطرقات الخالية وحوافر جواده تطرقع على أسفلت يعكس السكون والضوء الخافت. وعندما توقف أخيرا على قمة ربوة عالية وجد على رأسه عمامة تشبه عمامة بجاد في فيلم "الشيماء" الشهير، نظر أيضا للسماء وهو يحتضنها بيديه كما رأى على الشاشة، دعا:
- أريد أن أكون حقيقيا يارب..مرة واحدةا!..

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسان دهشان

حسان دهشان


عدد الرسائل : 444
العمر : 58
الجنسية : مصرى
تاريخ التسجيل : 04/07/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالجمعة 05 ديسمبر 2008, 3:24 pm

فقط اضع يدى تحت ذقنى و اتابع ما تفعله بدهشة و شغف يا عصام ، كأنى لا أعرف كيف تكتب القصص .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالأحد 07 ديسمبر 2008, 3:00 am


ياحسان وصدقني يا صديقي فإن كتابة القصص نفسها تصبح أجمل وأقرب للروح إذا كانت في حضور أصدقاء لهم روحك الطفلة المحبة العذبة ذات القدرة الملائكية على الشغف والاندهاش

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالأحد 07 ديسمبر 2008, 3:05 am

ا
بإصبعه أشار في ورقة رسمية مختومة يحملها وبنفس الإصبع أشار للوراء نحو سيارة أمن ضخمة مدججة بالجنود، رغم زيه الرسمي قال بعطف:
- لابد من تنفيذ الأوامر..الشجرة تعطل المشروع
بنظرة جامدة دامعة قال الحاج بعد أن أحنى رأسه:
- فاهم..لكن ليس اليوم..غدا!
بعدما رحل الجنود أخرج حصيرة فرشها أمام باب البيت حيث تلقي الشجرة بظلالها وروائحها وأصوات حفيف أوراقها، جلس وأسند كوع ذراعه الممدود لركبته ورأسه للحائط. في الداخل أمسكت الحاجّة أمهم بأطراف جلابيب أبنائها وبناتها وأحفادها، استحلفتهم ألا يتركوه وحيدا. جلسوا جميعا حوله، تركوا العيال يلعبون ويزيطون، حاولوا حتى يأسوا أن يجاذبوه أطراف الحديث، تكلم بعضهم عن حزنه على قطع الشجرة، وتكلم بعضهم عن استهانته بالموضوع، لكن لا أحد أفلح في أن يجعلى ينطق كلمة واحدة. في الصباح جاءت آلة كبيرة يمتطيها سائق ضخم الرأس عريض الملامح، لم يصافحهم ببسمة أو سلام، بدأ على الفور عمله، كانوا قضوا الليل كله نائمين على الحصير حوله، ظل بعضهم نائما حتى أيقظه صوت الآلة، أما هو فقد أعطاهم ظهره ودخل، تركهم يشهدون الاجتثاث، قلوبهم كانت متألمة، كل ضربة توجه للشجرة كانت تعتصر بداخل كل واحد منهم شيئا قديما عرفوه منذ زمان طويل لكنهم لم يحددوا ما هو، أرواحهم كلها كانت تجمع في حزمة واحدة لتحترق، هذه الشجرة تفوق عمرا أقدم الأحياء في البلدة، لا أحد منهم إلا ويحمل لها ذكرى جميلة أو سيئة، لا أحد يتصور مساحة الفراغ الذي يخلفه اقتلاعها ولا يعرف كيف يتعامل مع الفجوة التي سيتركها الغياب معلقة في ذاكرته. المواجهة التي نشبت لأسابيع بين أبيهم وبين الشرطة كان الشيء الذي جعلهم ينسون ألام الاقتلاع. قلع الشجرة ولا اعتقال أبينا وبهدلته في أيام شيخوخته، قضا أخف من قضا كما رددوا. ما إن انتهى الاقتلاع المؤلم حتى حملوا الشجرة على مقطورة سيارة وذهبوا بها، تابعها الأحفاد بدراجاتهم حتى غادرت البلدة كلها قائلين : بنوصل الشجرة..إلى أين لا أحد يدري، ولا أحد يهتم، فمنذ لحظة واحدة كان هنا كائن حي، ومنذ لحظة واحدة لم يعد كذلك. تعالى صراخ أمهم من الداخل فاستداورا تجاه البيت.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ياسمين عبدالله

ياسمين عبدالله


عدد الرسائل : 46
العمر : 104
الجنسية : كويتية
تاريخ التسجيل : 06/12/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالأحد 07 ديسمبر 2008, 9:07 pm

.
.
الأستاذ الاديب عصام الزهيري
كانت لي زيارة لهذا المقال ، أقرأ هذه القصص القصيرة ، التي ظهر الإبداع في الأفكار التي تتناولها ، ومن بناء الأحداث الذي يتنامى فيفاجئك تارة فتدهش و يباغتك أخرى فتذهل ..
.
.
قصص من الظلم أن تكون كلها في صفحة واحدة لأن لكلٍ منها فكرة عميقة مرتبطة بحالة إنسانية أو موقف انساني .

تمنياتي لك بكل التوفيق ، و دوام التألق والإبداع.

كل الود والاحترام
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالأربعاء 10 ديسمبر 2008, 2:09 am

المبدعة ياسمين عبدالله
مرحبا بمرورك الذي يعطر الصحفات وقراءتك المحتفية والملمة بالنصوص
أظن فعلا أنه أصبح من الصعب جمع كل تلك القصص أو الأقاصيص أو اللوحات أو المشاهد تحت عنوان واحد، لكنها حالة كتابة لم يكن مخططا لها، فبعض النصوص التي وضعتها هنا كتبت منذ أسابيع وبعضها ابن تاريخ وضعه في الموضوع أو بفارق أيام، وقد تركت لها المساحة كاملة لتتشكل على هيئتها التي تأتي بها مباشرة، على أن أقوم بالتعديل اللازم بعد أن أنتهي منها كاملة وعلى ضوء أراءكم التي أتت مفيدة صدقا.
شكرا لتعليقك الجميل ولكل الأصدقاء الذين علقوا واستفدت جدا من تعليقاتهم
تحياتي ومودتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالأربعاء 10 ديسمبر 2008, 2:24 am


المرحومة أمي الغالية
ليست هذه الرسالة بوحا لروحك الماثلة في السماء، ترى وتسمع معي، تفرح وتتألم لي، تنهى وتشجع كلما دعت الحاجة لذلك. إنها، أبعد من ذلك، تعبيرا عن حاجتي للنوم في حضنك كما كان في الأمسيات القديمة. لذلك أجازف بدفن هذه الرسالة في تراب القبر الذي تواريت فيه. ليس لأني أتخيل أن ذلك يجعلها تصلك بأي صورة. فأنا لم أعد صغيرا وأدرك أن الأجساد الميتة لا تقرأ، بل إنها تتحول إلى تراب، وسطور رسالتي أيضا ستتحول إلى تراب، وذات يوم يلتقي تراب جسدك بتراب رسالتي وعندئذ يمكن لدفئه الذي طالما غمرني أن ينبعث ليغمر عالمي في شكل من الأشكال.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالأربعاء 10 ديسمبر 2008, 2:33 am


حشرونا في الدرابزين في منتصف الكوبري المؤدي للميدان، كنا في عدد قليل، وكان عددهم يفوقنا عشرة أضعاف على الأقل، أجسادهم مفتولة ويرتدون الزي الملكي، تجمدنا في أماكننا وكان تيار الماء يندفع أسفل أقدامنا، دقائق ثم بدأت أصواتنا تعلو بالاحتجاج، شعرت بملمس معدن الدرابزين في ظهري كرؤوس باردة لدبابيس صغيرة، انبعثت من ذاكرتي صورة مظاهرة كوبري عباس الشهيرة في التاريخ وأجساد الطلبة تتهاوى من ارتفاع شاهق نحو الماء، طالبونا بالصمت وبدأ بعضهم في التلويح بأذرعهم للتهديد، شق صفوفهم رجل في منتصف العمر، يرتدي بنطلونا وسترة رمادية على قميص أزرق، أصلع الرأس عريض الشارب والجبهة، وسعوا له طريقا إلينا، سألنا:
- إلى أين!
رد أحدنا:
- في الطريق للمظاهرة!
سأل مرة أخرى بصوت غاضب:
- لماذا تتظاهرون؟
قلت وأنا أحاول أن أكون ساخرا:
- لدينا عشرات الأسباب للتظاهر!
وضع يده في جيب بنطلونه جاذبا السترة وراء كوعيه لأبعد مسافة ممكنة، لسانه يتلاعب أسفل الفم قرب ذقنه، قال بنظرة سافرة:
- لا أريد أن أهينكم!
رد أحدنا:
- إذن دعنا نتظاهر لأنه حقنا وحرماننا منه إهانة!
ضحك واستدار قليلا على كعب حذائه، تراجع جانبه للوراء كأنه موشك على اقتراف حركة عنيفة، تحسست ملابسي وأنا أحمد الله أننا لا نزال في بداية الشتاء، لكن وضعه عاد للاتزان دون أي حركة، قال:
- اسمع أنت وهو..إما تنفضّوا على بيوتكم وإما تركبوا البوكس!
نظرت في الاتجاه الذي أشار إليه، كان هناك رتل من السيارات التي تشبه الزنازين، عاد بصري للأسفل رأيت مياه النهر تجري بين ساقي كأنها تريد أن تسحبني، أرتد بصري للأعلى وكان سرب من الطيور المهاجرة يندفع في التحليق.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رشا صابر

رشا صابر


عدد الرسائل : 379
العمر : 41
الجنسية : مصرية
تاريخ التسجيل : 04/07/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالخميس 11 ديسمبر 2008, 8:21 pm

أستاذ عصام ماشاء الله لا قوة إلا بالله حالة حلوة أوي
ننتظر المزيد بكل شوق ولهفة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالأحد 14 ديسمبر 2008, 2:22 am

الصديقة رشا صابر
شكرا للمرور وروح المودة الرقيقة المشجعة التي تسم حضورك الجميل المتفاعل
لك خالص المودة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالأحد 14 ديسمبر 2008, 2:28 am


أمام باب مخزن الأسمنت نصف المسدل يشعل نيرانا للتدفئة، يطعم النار قطع أخشاب قديمة مكسرة يجمعها في النهار، عادة يراقب الصيدلية التي لا تغلق أبوابها لوقت متأخر من الليل، زبائن فرادى متفرقون يدخلون ويخرجون، على مدار الليل كله لا تنقطع رجل زبون الصيدلية، "مافيش حد خالي من المرض" حمل الخاطر له بعض السلوى، وجد فيه نفسه كمعظم خواطره التي تتعلق بالآخرين وما يدور، هناك أيضا الخواطر الأخرى التي ينفيها سريعا ويتهرب منها وينفضها بسهولة تشبه سهولة نفض جلبابه، "لماذا أنا يارب بالذات من تبتليه بهذا المرض؟!"، يعرف أن سؤالا كهذا ينطوي على احتجاجه المكبوت بأكثر من انطوائه على استفهام، فلو قدر أن أجابه الله على سؤاله لقال له ما يعرفه جيدا وهو أنه لم يبتله وحده بهذا المرض وأنه لن يستفيد أكثر من الذنب والكآبة لو جعل من مرضه على هذا النحو مسألة شخصية. هو الآن في مراحل العلاج الأولى وبعد شهور قليلة سيذكر له الطبيب وهو يدعي الأسف من أجله أنه أصبح لا غنى عن العملية الصعبة، وسيبلع هو أسف الطبيب وأسف أهله وأسف الدنيا كلها من أجله، ثم يموت في غضون العام في رضا وصمت لأنه لا يمتلك - ولا أهله كلهم - ما يقارب التكلفة الباهظة. قصة مكررة وقعت سابقا لأناس آخرين أقرباء وغرباء، مرض مكرر رغم أنه مميت إلا أنه يعالج بالأسبرين وذكره ما عاد يفزع الألسنة ولا يسمم الأبدان.
"ما دايم إلا وجه الله"، نفض جلبابه ونهض مبتعدا عن النار، دخل الصيدلية وهو يتنحنح ويصيح بصوت يسمعه النيام: "سلام عليكم يا باشا". رد الصيدلي الساهر السلام وهو يعدل نظارته التي انزلقت على أنفه، أمسك رأسه بيديه واشتكى:
- صداع يا دكتور..صداع يفلق الرأس!
لمس الصيدلي الخجول نظارته بسبابته وقال:
أكي..أكيد من البرد!
رد بسرعة وهو يطعنه بنظرة صريحة:
- هو البرد ابن الكلب لازم!
ثم عاد إلى مكانه يبلبع أقراص الصداع!

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالأحد 14 ديسمبر 2008, 2:40 am



في الحلم نمت مع الزميلة في وضع غريب، أمام شاشة الحاسب الذي أعمل عليه في النهار، تمدد جسدها على جانبه فوق الأرض وأنا خلفها ممددا، عضوي المنتصب يلتصق بمؤخرتها ويضغط عليها، أزداد التصاقا كلما حاولت استعمال مفاتيح التحكم في لوحة الحاسب، ومن حين لآخر يلتف ساقي حول ساقيها، رغم كل هذه الأوضاع المكشوفة كنا نتحسب من وجود عيون حولنا، كاد يقع عليّ وحدي عبء أن أجعل كل هذه الأفعال الفاضحة تبدو لهم أفعالا عادية، وكان هذا الأمر مؤلما جدا في الحلم. الزميلة كانت سلبية غالبا، ولابد أن ذلك هو الترجمة الباطنية لحياديتها الطبيعية في النهار إزاء إعجابي غير الحيادي بتضاريس جسدها الملفوف برائحة الشهوة ولون النبيذ. عندما سنحت لي أول فرصة في الحلم قبّلتها قبلة طويلة، طويلة جدا، حتى أني حسبت بوضوح، أكثر من مرة وأنا نائم، أن الفجر يؤذن وأن وقت اليقظة سيدهمني وأنا لم أنته من تقبيلها، غير أني لم أستطع التوقف رغم المحاذير الحاضرة حتى دخل علينا فجأة زميل لم أتبين ملامحه، لكنه تسبب لنا في فزع شديد، أصيبت رفيقتي بالزغطة، بدا لي أنها ربما كانت ردا مفتعلا على الحضور المفاجيء للشخص، وأن زميلتي تحاول إعطاء انطباع مخفف عن معنى هذه القبلة التي ضبطنا متورطين فيها. أما أنا فقد بدأت تعروني مشاعر النهاية المحبطة، وظلت هذه المشاعر تتضح حتى تميزت بالسطوع الشديد. حينها استيقظت على جرس المنبه يضرب من مكان بعيد، جلست على حافة الفراش غارق في الحلم وشبه نائم، فكرت في غرابة حلمي الذي أتاح لي فرصة مع زميلة لا يمكن أن يتاح معها فرصة مماثلة في الحقيقة. ارتديت ملابسي وتوجهت لعملي، دخلت غرفة المدير وأصداء اللذة والفزع لم تتبخر بعد من رأسي، أقتربت من دفتر الحضور لأوقع غير أني لاحظت وجود زميلتي في الغرفة، كانت تقف في المنتصف على بعد من المكتب والمدير، صبّّحت وأنا أطالع وجهها فرأيته مغسولا بالدمع وعينيها محمرتين بشدة. توجست شرا وهي تمسح أنفها الصغير بالمنديل وترسل من وراءه نظرات لوم صريح فيه قدر من الرغبة في الانتقام. تجمدت حيث أنا كالمحبوس داخل مكعب ثلج فيما أخذت البرودة القارصة تقضم أطرافي. قال المدير وهو يفترسني بنظرته النارية:
- ما الذي يمكن أن يحدث يا أفندي يا محترم لو شم زوج الزميلة الفاضلة خبرا عن كل هذه المهازل؟!
أعصابي كانت مخدرة وأفكاري مشوشة، غارقا في بئر الفوضى والتشتت حاولت أن أستوضح المدير أو الزميلة عن سر كل ما يدور، توجهت لبرهة نحو الزميلة لأسأل عن الطريقة الجهنمية التي أوصلت حلمي إليها أو أوصلتها إلى حلمي، لكني استبعدت المسألة وتراجعت خشية الانفضاح، أردت أيضا أن أحتج نافيا كوني فعلت ما يمكن أن يؤاخذني عليه أحد، وأردت أن أعتذر رغم أن المرء لا يمكن أن يكون مسئولا عن أحلامه غير المسئولة.
على خلاف كل ما أردت لم أتفوه بشيء منه، ولابد أني بدوت لهما أبلها وأنا أغمغم بحروف مضغومة وأجزاء من عبارات غير مفهومة تحمل كل المعاني والاسئلة والاحتجاجات والاعتذارات في نفس الوقت، ولم أقو بخلاف ذلك على نطق عبارة أو كلمة وشعرت بأني أختنق، خفض المدير نظارته لأسفل ورمق الأرض تحت حذائه بنظرة أسف شامل، فجأة نظر إليّ وكانت حواجبه تصعد وتهبط - فوق ثم إلى ما تحت إطار النظارة - في قفزات متوالية، وكانت زميلتي تضحك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسان دهشان

حسان دهشان


عدد الرسائل : 444
العمر : 58
الجنسية : مصرى
تاريخ التسجيل : 04/07/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالأحد 14 ديسمبر 2008, 4:30 am

لازلت اتابع بشغف يا عصام . ما أجمل ما تفعل هنا ، لتحرس قلمك الملائكه فأنت تستحق .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصام الزهيري
مشرف قسم القصص والروايات
عصام الزهيري


عدد الرسائل : 460
العمر : 51
الجنسية : مصر
تاريخ التسجيل : 12/05/2008

حالة عطف Empty
مُساهمةموضوع: رد: حالة عطف   حالة عطف I_icon_minitimeالإثنين 22 ديسمبر 2008, 2:36 am

وأنا يا صديقي لم أتخذ قرارا بعد في أيكما أعزو إليه جميل التصاقي بهذه الحالة : أنت الذي حفزتني على الكتابة والنبش في مسوداتي أو الشتاء الذي يعزى إليه مسمى فصل الكتابة
في كل حال كلاكما من ظواهر الحياة التي تسعد وتدهش وتحفز وتجعل المرء أكثر استعدادا للخوض في غمار الجمال وأغوار الكتابة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حالة عطف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فضاء الإبداع :: القصة والرواية-
انتقل الى: